المال يُعَدّ فيكون له حساب، أما الدم الذي يُسفح على سنان القلم في تجاليد الليالي فليس له حساب. ولو أن حملة الأقلام الجياد كانوا أنفقوا أعمارهم الذواهب في الاتجار بالتراب لوصلوا إلى إدانة الدولة بما يستوجب أن تستهدي لهم من جلالة الملك ألقاب التشريف، بدون انتظار أو اقتضاء. . . فمتى تسمع الدولة هذا الصوت وهو تذكيرٌ بواجبها في إعزاز العقل؟ لقد حَفِيَ قلمي وهو يذِّكر الدولة بحقوق الأدب الرفيع، الأدب الذي تَدين له الدولة دَيناً أرزن من الجبال، وهي تعرف وكأنها تجهل، وتجاهلُ العارف قد يَثقل في بعض الأحايين!
ذلك المصير المحزن هو مصير أرباب الفكر في مصر والشرق، فمن توهم أنهم في بلادهم سعداء فهو مخلوق نقلته الغفلة من أرض الواقع إلى سماء الخيال. . . وما أسعد الغافلين!
هل سمعتم بالأدب القديم عند السُّريان؟
قيل: إن السريان كانوا أقدر الأمم القديمة على نظم أغاني الحزن والبكاء، فهل كان لذلك خمن سبب غير ابتلائهم الموصول بالكوارث والخطوب؟
ونحن في مصر أمعنّا في الدعوة إلى نظم أناشيد الجهاد، مع أننا كل لحظة في جهاد، فمتى ندعو إلى نظم (نشيد العدل) ومن بلوانا بالظلم صرخ الدهر صرخة الإشفاق؟
كم مرة فكر فينا مَن نخاطر في سبيل إسعادهم بأعز ما نملك وهو العافية؟
إن الزميل الذي يعرف في سريره قلبه أنه مَدينٌ لك ولو بلمحة من لمحات القلب والعقل، والذي يؤمن بأن الحياة الأدبية مدينةٌ بعض الدَّين لصرير قلمك، والذي يوقن بأنك نقلت صوت مصر إلى إسماع الشرق، هذا الزميل يتلقف إخبارك من أفواه أعدائك ليجوز له التطاول عليك في غيبتك، عساه يشفي صدره الموبوء بجراثيم الضغائن والحُقود.
وفي مثل هذا الهواء الفاسد يعيش الأديب في مصر والشرق ثم ينسى الناسون أنه لم يكن من المكافحين، وأن الشلل لو أصابه بمثل ما أصاب روزفلت لأصبح من المتسولين!
حدثتنا إحدى المجلات أن جرائد أمريكا عابت على روزفلت أن يُرقى كاتبه بلا استحقاق، وأنه أجاب: كيف لا يستحق الترقية وهو الذي يكتب خُطبي؟
فأي رئيس في مصر أو في الشرق يطمئن إلى عقل أمته فيصرّح بمثل هذا التصريح؟