وأين من يعترف للكاتب بأنه عنوان مصر من الوجهة العقلية أو السياسية؟
وهل يستطيع (خلف الأحمر) أن يميط اللثام عن وجهه ليقول: إنه المنشئ الأصيل لهذه الخطبة أو تلك، والمؤلف الأصيل لهذا الكتاب أو ذاك؟
وهل صدّق الناس قول (خلف الأحمر) قديماً حتى يصدقوا قوله حديثاً؟
الفرق بين (الخلفين) أن الأول استفاد من تزوير القصائد والأراجيز، أما الثاني فلم يظفر بغير الخيبة والحرمان.
أما بعد، فأين أنا مما أريد، وقد انتقلت من الدفاع عن مصر والشرق إلى الهجوم على مصر والشرق؟
أنا أريد القول بأن الحيوية لم تنعدم أبداً من مصر والشرق، والكساح الذي فرضته الصُّروف على الأفكار والعقول لم يمنع المصريين والشرقيين من الجري في ميادين الفكر والعقل، ولو اعتدل الميزان لعرف قوم أن القليل منا كثير وفوق الكثير، لأنه يُبذَل من دماء القلوب، ولأنه يقدَّم بلا انتظار الثواب، وقد يقدِّم من انتظار العقاب، فالفضل ذنب من لا ذنب له في (بعض) البلاد!
السائر الذي يقطع ألف مِيل في طريق مسلوك ليس أعظم من السائر الذي يقطع مائة خطوة في طريق شائك، ولكن أين من يعرف؟
والكاتب الذي يُعَدّ قراؤه بالملايين ليس أعظم من الكاتب الذي يُعَدّ قراؤه بالألوف، وقد ظهر الأول في الغرب وظهر الثاني في الشرق.
ارفعوا عن كواهلنا الأثقال، وانزعوا من أغلالنا، ثم انظروا كيف نستبق إلى أجواز الفكر والخيال.
فإن عجزتم عن تحرير كواهلنا وأقدامنا فحرروا قلوبكم من آصار الحسد والحقد لنشعر بأننا سنُجزَي على صدق الجهاد، ولو بالبَسمات والدعوات الصالحات.
إلى من يتوجه قلب الأديب في أمثال هذه البلاد، وهو من كيد الزملاء في عناء؟
إلى من يتوجه؟
يتوجه إلى الله الذي جعل سواد المداد أشبه الأشياء بسواد العيون فهو يحيي ويميت كيف يشاء.