- في آدمي زعم لقومه أن كل شيء في الطبيعة يرقب أملاً واحداً هو الإنسان، كما ينتظر كبار البيت بلوغ طفل عزيز: كل شيء في البيت مسخر للطفل، يضحك له إذا ضحك، ويألم إذا تألم! ثم زعمه لقومه - ويا هول ما زعم - أن الليل والنهار والحيوان الآبد والداجن، والأزهار والثمار والأنهار والجبال، وألوان الشفق في الأصائل والأسحار. . . كل هذا وغير هذا من صنوف ما يطوي الكون بين دفتيه، إنما خلق للإنسان!!
قالت البعوضة:
- ومن يكون هذا الإنسان؟
- قرد نهض على قدميه
- أو يكون النهوض على الأقدام كفيلاً له بهذا كله؟ هل تعلمين يا عزيزتي أن هذا الإنسان أحدث صنوف الحيوان عهداً بهذه الأرض.
- عرفت ذلك من زميلتي منذ دقائق.
- إن كانت كائنات الله قد خلقت لينعم بها الإنسان وحده، فمن ذا كان يستمتع بها قبل ظهوره؟
فأجابت الفراشة العجوز في رزانة:
- قال كاتبهم هذا البليغ، إن ذلك كله صُوَرُ جاءت قبله لتزخرف له المسرح. . . إنها حروف تتألف منها الرواية التي يمثلها الإنسان!
- ويحه! هل صَوَّرَ الخيال لهذا المغرور أن الله قد زَيَّنَ الطاووس بريشه الجميل ليُمتِعَ الإنسان ناظريه، ورقَّشَ الأفعى لينظر إليها الإنسان وهي تتلوى وتتحوى في صندوقها الزجاجي في حديقة الحيوان؟ وماذا هو قائل قي الجراثيم التي تفتك ببدنه لتعيش؟ تلك الجراثيم التي إن أفلح في نزع واحدة منها مما يسكن في جوفه، باضت له ألوف الألوف من صغارها؟. . . لو أنصف المسكين لعلم أن الله جلت قدرته أبدع قصيدة الكون العظمى منظومة منغومة، والإنسان بيت من أبياتها. إن سر الوجود ليستعلن في الجرثومة الضئيلة كما يستعلن في الإنسان والقرد والأفعى! إنها أنغِام تتسق كلها لتنشئ موسيقى الوجود! وهل يعظم الشاعر ببيت واحد أكثر مما يعظم بقصيدة عامرة بالأبيات والقوافي؟