وهذا معنى قد جلاه الأستاذ الأكبر في هذه المناسبة، وكان قد عرض له برفق في أحد دروسه الدينية عند تفسير قوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)
وكان من المبادئ التي قررها فضيلة الأستاذ الأكبر أيضاً مسألة تأثير العرف في المعاملات، وقد ضرب لذلك مثلاً بأن عُرفنا الحاضر قد أهدر المعايير والأوزان في التعامل بالذهب والفضة، فأصبحنا نصرف الذهب بالفضة من غير نظر إلى الوزن ولكن على أساس العد، وكذلك الأمر في صرف الفضة بالفضة.
وكان من المبادئ التي قررها فضيلته أيضاً التفريق بين ما حرم لنفسه وما حرم لغيره، وما ينبغي على هذا التفريق من جواز إباحة الأخير عند الحاجة.
وسمعنا أيضاً مبدأ من المبادئ الهامة فيما يتصل بالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقوم على أساس التفريق بين ما يقرره النبي صلى الله عليه وسلم على أنه مبلغ عن الله، وما يقرره على أنه أمام للمسلمين، وما يقرره على أنه قائد للجيش في زمن الحرب، وما يقرره على أنه قاض. . . الخ، وأن بعض ذلك يكون ملزماً للمسلمين في جميع عصورهم، وبعضه لا يكون ملزماً.
سمعنا ذلك كله، ورأينا آثاره بين السامعين، وسمعنا غيره من أعضاء الهيئة العلمية التي كانت تناقش الرسائل، ثم تحرينا أن نعرف آثاره في أحاديث العلماء والطلاب، وتحرينا أن نعرف آثاره في الفصول الدراسية، فإذا الجميع طوال هذا الأسبوع مشغولون، بهذه المبادئ يتناقش فيها الأستاذ مع الأستاذ، والطالب مع الطالب، ويرغب الطلبة إلى أساتذتهم في تفصيل مجملها، وتوضيح مشكلها، والتمثيل لها، والتطبيق عليها
ولعل من الظواهر السارة التي تستحق التسجيل أننا رأينا لأول مرة احتياطاً في التعليق، وحرصاً عند التعقيب، وزهداً في وصف الناس بالخروج أو المروق، وانصرافاً إلى الفكرة من حيث هي فكرة، لا باعتبارها قولاً يخفي وراءه غرضاً من الأغراض.
ونحن نسجل هذه الظاهرة الهامة في تاريخ الأزهر مغتبطين ونهيئ عليها فضيلة الأستاذ الإمام، كما نهنئه بهذا الأسبوع الفريد في حياة الأزهر العلمية، ونرفع إلى فضيلته