آمنت بالله، وتُبتُ إلى الله؛ فما عرفت نعمةً أعظم من نعمة الخلوة إلى القلم في لحظات السيطرة الروحية على زمام الوجود
إلى القلم، إلى الروض، إلى مُعْتَرَك الهدى والضلال، إلى حيث نصافح بالفكر والروح شياطين النفوس وملائكة القلوب!
ومن الله الذي أقسم بالقلم وما يَسطُرُون نسأل الأمان من إخوان الزمان
بيني وبين أصدقائي
وأصدقائي في هذا الحديث هم قراء (الرسالة) الذين تطيب لهم مراسلتي من حين إلى حين، وهم خير الأصدقاء، لأن الصلات الروحية أعظم وأنفس من جميع الصلات؛ ومع اعترافي بهذه الحقيقة التي تؤنس روحي فأنا لا أؤدي حقوق هذه الصداقة إلا في أندر الأحايين، لأن صفحات (الرسالة) تضيق عن تسجيل ما يدور بيني وبينهم من فنون الأحاديث؛ فماذا أريد ان أقول لهم في هذه الكلمات؟
١ - أريد أن أُطَمْئن الأديب (البيسي) الذي نقل إلي عواطف بعض إخوانه في الإسكندرية عما كتبته في تأنيب الشاب المقيم بإحدى قرى المنوفية، فقد عدّوا كلامي تثبيطاً لعزائم الشبان، وتخوفوا عواقبه في قتل مواهب ذلك الأديب الناشئ.
وأجيب بأن ذلك الشاب لم ينتحر - كما توقعت - وإنما أجاب جواباً يشهد بأنه خُلق للحياة لا للموت، وذلك ما كنت أبغي، فما يسرني أن تكثر الأرقام، وإنما يسرني أن تكثر الأعلام، وأديبٌ واحدٌ متمكن أنفع للأمة من ألوف الأدباء الموسومين بالجهل المصقول، وأعيذ الأديب (الدسوقي) أن يكون من هؤلاء
٢ - وأريد أن أقول للأديب (. . . .) إن ثناءه على ما أكتب في النقد الأدبي لا يغريني بالسير في ذلك الطريق إلى نهاية الشوط، لأن الجمهور يغيب عنه الفرق بين النقد والتجريح، وهو يتوهم أن لنا غاية في تعقب الآثار الأدبية بالتزييف والتصحيح. . . يضاف إلى ذلك أني أكره أشياء من بعض الناس، ففيهم من يعيش بوجهين، فيكتب إلي مشجعاً، ويكتب إلى من أنقدهم متوجعاً؛ كالذي صنع فلان حين رجا أن يكون كتابه خاصاً لا يصل إلى أسماع القراء! فهل تراهم سمعوا منه شيئاً؟! وهل عرفوا أنه يقيم في بلد يقيم فيه شاعر كبير اسمه أحمد. وهو غير الشاعر أحمد الكاشف؟