للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذاتي بعد الوصول إلى الحرية، وهي أعز ما تشتهيه النفس الإنسانية.

ظهور الفتنة

لا أريد بعد ذلك أن أتابع الخطوات التي مشت بها فتنة الزنج في العراق؛ ولكني أبرز من ذلك أمرين يستطيع القارئ أن يعرف بهما إلى أي حد استطاع صاحب الزنج أن يكوِّن مع عبيده السود قوة قاهرة تخيف الولاة وتحارب جند الخليفة، وتدخل الرعب في قلوب الناس

أذكر أن صاحب الزنج استطاع في سنتين اثنتين أن يأخذ من جند الخليفة بلاء الأبلة وعبادان والأهواز والبصرة، واستطاع في هاتين السنتين (وهما سنتا ست وخمسين ومائتين وسبع وخمسين) أن يحارب من الولاة ومن القواد سعيدا الحاجب وابن المدبر، ومسيرا المولد وموسى بن بفا وعدة غيرهم، واستطاع أن يهزم كثيرين منهم وأن يأخذ منهم ما أخذ من البلاد

وأذكر هذه القصة التي رواها ابن الأثير تدل على ذلك الفزع والرعب الذي ملأ به صاحب الزنج قلوب الناس، وذلك الحقد والجبروت الذي ملأ به قلوب زنوجه العبيد على أسيادهم ومواليهم

يقول ابن الأثير إن موالي هؤلاء العبيد وقد رأوا سلطان صاحب الزنج على عبيدهم وخافوا بطشه أتوا إليه (وبذلوا له على كل عبد خمسة دنانير ليسلم إلى كل منهم عبده. فبطح أصحابهم وأمر كل من عنده من العبيد فضربوا مواليهم. . . أو وكيلهم كل سيد خمسمائة صوت. ثم أطلقهم)

فتأمل ذلك الرجل الذي يبطح السيِّد المالك ليضربه عبده ومملوكه خمسمائة صوت. ولا يبيع هذا العبد بخمسة دنانير لسيده وصاحب رقبته، وهو لا يملكه. . .!

خراب البصرة

وبقي هكذا حال صاحب الزنج وزنوجه يستفحل أمرهم، ويستشري داؤهم، حتى كان شهر شوال من سنة سبع وخمسين ومائتين، فاجتمع الأعراب من البحرين بآمرة محمد ين يزيد الدارمي، وتجمع عليهم كثيرون من مثلهم أتباع صاحب الزنج، وأحاطوا البصرة من أطرافها فدخلوها وقت صلاة الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شوال. وأباح صاحب الزنج

<<  <  ج:
ص:  >  >>