كانت النتيجة أن يكون الفرق بين (رغبة الآمل) و (تهذيب الكامل) كالفرق بين المرصفي والسباعي، وهو بونٌ شاسعٌ جدًّا بحيث يعجز عن اجتيازه نوابغ الطيارين من الإنجليز والألمان، ولو كانوا أقدر من بعض الناس على التحليق في جواء الادعاء.
ثانياً - أعلن الأستاذ السباعي أن كتاب الشيخ المرصفي ظهر في سنة ١٩٣٠ والصواب أنه ظهر سنة ١٩٢٧ وليس لهذا التاريخ أهمية، وإنما الأهمية للتاريخ الذي أخذ فيه الشيخ المرصفي يشرح الكامل، وهو تاريخ يرجع إلى أكثر من أربعين سنة يوم أوصاه الشيخ محمد عبده بتدريس (الكامل) لطلاب الأدب من الأزهريين، ففي ذلك العهد ثار الشيخ الشنقيطي وطلب إلغاء ذلك الدرس، وكان مفهوماً عنده أن المبرِّد أكبر من أن يتسامَى إلى نقده رجلٌ من المحدَثين، ولكن الشيخ محمد عبده تلطف فأرسل الشيخ إبراهيم عامر إلى الشيخ الشنقيطي ومعه ملزمة من شرح الشيخ المرصفي، فدهش الشيخ الشنقيطي وسارع إلى الاعتذار، ثم صارحَ الشيخ محمد عبده بأن المرصفي لا يقل علماً بأسرار اللغة عن المبرّد.
ثالثاً - كان كتاب (رغبة الآمل) كاملاً من جميع الجوانب حتى في سنة ١٩١٥ وقد رأيته بعينيَّ في ذلك العهد ورآه معي الشيخ الزنكلوني طيَّب الله ثراه!
ولن أنسى ما حييتُ تلك العبارة الشعرية التي صرخ بها الشيخ المرصفي وهو يقدِّم إلينا شرحه على كتاب المبرد، لن أنساها أبداً، فقد قال شيخنا العظيم وهو يخاطب المبِّرد:
(الله على أيامك، يا بَطَل!!)
والكتاب الذي كان كمل من جميع نواحيه حتى الفهارس قبل سنة ١٩١٥ هو الكتاب الذي سُرِقَتْ بعض فهارسه من كتاب ظهر في أواخر سنة ١٩٢٣.
رابعاً - لم يكن الشيخ المرصفي يطلِّع على شيء من مؤلفات المعاصرين، فكيف اختص الأستاذ السباعي بتلك العناية؟ تلك والله إحدى الأعاجيب!
خامساً - كان الشيخ المرصفي أول رجل تسامَى إلى نقد مؤلفات الأكابر من القدماء، وكان أول رجل أقرَّ (كرسي الأدب) في الأزهر الشريف، وكان أول رجل جعل للأديب مكاناً بين (جماعة كبار العلماء) فكان بتلك الصفات أوحد عصره بلا جدال.