خاشعات كأنها باكيات ... باديات الثغور، لا لابتسام. . .!
ولا شك في أن القارئ يشعر بتلك القدرة الفائقة التي صورت بها ابن الرومي ذلك المشهد، مشهد خرائب البصرة وقصورها التي أضحت تلالاً، ومشهد تلك الأيدي والأرجل مبعثرة فيها قد نبذت بينهن أفلاق هام، ومشهد تلك الهام ملقاة خاشعة باكية قد بدأ منها الثغر وبرزت النواجذ ولكن لا لتبتسم. . .!
ثم ينتقل ابن الرومي بعد ذلك إلى ذكر مسجد البصرة وما حل به فيقول مخاطباً صاحبيه أيضاً:
بل ألما بساحة المسجد الجا ... مع إن كنتما ذوي إلمام
فاسألاه - ولا جواب لديه - ... أين عبادة الطوال القيام. . .؟
أين عماَّره الألى عمَّروه ... دهرهم في تلاوة وصيام
أين فتيانه الحسان وجوها؟ ... أين أشياخه أو لو الأحلام
تحريض وإثارة
إلى هذه الغاية يكون ابن الرومي قد أبرز تلك الصورة البارعة القوية الصادقة عن وصف ما حل بالبصرة وأهلها على يد الزنج، فهو ينتقل بعد ذلك الوصف إلى تهيج الناس وتحريضهم وإثارة نفوسهم على صاحب الزنج وزنوجه حتى يثأروا منه لأنفسهم وأهليهم. وهنا تبرز الغاية التي قصد إليها ابن الرومي، ونعتقد أنه تعمدها حين بدأ قصيدته بتلك البداية. . . وقد أشرنا إلى ما تشعر به من الرغبة في التحريض والإثارة حين ذكر ابن الرومي (محارم الإسلام) وحين قال بعد ذلك بيتاً قصدنا أن نسقطه من موضعه لنذكره الآن وهو:
وتسمى - بغير حق - إماماً ... لا هدى الله سعيه من إمام
وقد ذكر هذا البيت بعد ذلك الذي يقول فيه إن الخائن اللعين صاحب الزنج قد أقدم عليها وعلى الله
كل هذه الإيحاءات بالهياج والثأر يجعلها ابن الرومي دعوة صريحة في هذه القطعة التي ينتقل اليها بعد ذكر المسجد الجامع وعبادة وفتيانه وشيوخه أولى الأحلام.