كم خذلنا من ناسك ذي اجتهاد ... وفقيه في دينه علام
واندامي على التخلف عنهم! ... وقليل عنهم غناء ندامى
وأحيائي منه - إذا ما التقينا ... وهم - عند حاكم الحكام
أي عذر لنا؟ وأي جواب؟ ... حين ندعي على رؤوس الأنام:
يا عبادي! أما غضبتم لوجهي ... ذي الجلال العظيم والإكرام؟
أخذلتم إخوانكم وقعدتم ... عنهم - ويحكم - قعود اللئام؟
كيف لم تعطفوا على أخوات ... في حبال العبيد من آل حام؟
لم تغاروا لغيرتي، فتركتم ... حرماتي لمن أحلَّ حرامي
إن من لم يغر على حرماتي ... غير كفء لقاصرات الخيام
كيف ترضي الحوراء بالمرء بعلاً ... وهو - من دون حرمة - لا يحامي
ثم يقدم لنا ابن الرومي بعد هذا التحريض القوي هذه الصورة البارعة عن خصومه تخيل أنها واقعة بينه وبين النبي عليه السلام عن هؤلاء الشيوخ والفتيان وكيف لم يثأر لهم:
واحَيائي من النبي إذا ما ... لا مني فيهم أشدّ الملام!
وانقطاعي إذا هُم خاصموني ... وتولى النبي عنهم خصامي!
مثَّلوا قوله لكم - أيها النا ... س - إذا لامكم مع اللوام
(أمّتي! أين كنتمُ إذ دعتكم ... حرّة من كرائم الأقوام. . .؟
صرخت: يا محمداه. . .! فهلاَّ ... قام فيها رعاةُ حقّي مقامي. . .!
لم أجبْها إذ كنت ميتاً فلولا ... كان حيٌّ أجابها عن عظامي!)
وأريد هنا أن أشير إلى براعة ابن الرومي إذا انتقل من خطاب نفسه في الأبيات الأول إلى خطاب من يحرضهم حين بدأ يصف خصومه النبي عن قتلى الزنج فقال: (مثّلوا قوله لكم أيها الناس)
ثم يندرج ابن الرومي بعد هذه الإثارة وإهاجة النفوس إلى الدعوة الصريحة إلى الثأر من صاحب الزنج فهذه القطعة التي هي ختام قصيدته، والتي نكتفي منها في هذه الأبيات:
انفروا - أيها الكرام - خفافاً ... وثقالاً إلى العبيد الطغام
أَبرموا أمرهم وأنتم نيام، ... سوْءة سوءة لنوم النيام