وقد عرف المصريون قيمة الشيخ محمد عبده بعد الموت، فكيف يجهلون قيمة الشيخ سيد المرصفي بعد الموت؟
السباعي بيومي هو الذي أراد الإعلان عن نفسه بالقدح في الشيخ المرصفي، فليدفع ثمن ذلك الإعلان بلا إمهال
ولكن كيف يدفع ذلك الثمن؟
إلى رجال الأدب العربي أسوق الحديث:
أخرج السباعي كتاباً سماه (تهذيب الكامل) في جزأين أولهما في المنثور ثانيهما في المنظوم، ومعنى ذلك أنه قدَّم وأخَّر في نصوص الكامل ليقع المنثور في جانب والمنظوم في جانب. فهل يرى القراء أن هذا عملٌ مطلوب؟ وهل يرون أن المبرد كان يعزّ عليه أن يصنف كتابه على هذا الوضع لو أراد؟
المبرد راوَحَ بين المنثور والمنظوم لحكمة تعليمية، هي نقل الذهن من فنّ إلى فنّ ليبعد عنه السآمة والملال، وقد أضاع السباعي تلك الحكمة التعليمية بصنيعه (الجميل)
والفرق بين الكامل وتهذيب الكامل هو الفرق بين روح المبرد وروح السباعي، فأنت حين تقرأ الكامل تواجه روحاً لطيفاً هو روح أبي العباس - طيب الله ثراه - وقد كان مثلاً رائعاً في صباحة الوجه ولطافة الروح، وحين تقرأ تهذيب الكامل تواجه روح السباعي بيومي، وهو روح السباعي بيومي بلا نزاع ولا جدال!
ومهما يكن من شيء فقد استطاع السباعي أن يطارد المرصفي، المرصفي شارح الكامل، المرصفي الذي أقام البراهين على أن مصر وُجِد فيها رجلٌ يصاول المبرد، ويمشي إليه مَشْيَ البازل إلى البازل في شراسة وكبرياء.
استطاع السباعي أن يحرِّم على شرح المرصفي دخول (دار العلوم) ليجهل طلبة تلك (الدار) أسرار كتاب الكامل، وليجهلوا مبلغ أستاذهم السباعي من (العلم) بما وقع في (الكامل) من تحريف وتصحيف.
أنا أعرف أن دار العلوم مدرسة عالية لا يزورها أحدٌ من المفتشين، إلا إن ظمئ إلى فنجان من القهوة يحتسيه في مكتب العميد أو مكتب الوكيل، وإذاً فمن العسير أن تسنح الفرصة