سواء لدي الأمر فلقد أثرت أيتها الساعة القابعة في طرف الغرفة كل شجوني فاستفاقت على أنغامك العذبة ذكرياتي الغافية كما تستفيق جماعة الطير على أنداء الفجر، وتحركت نفسي الراكدة على نبراتك الساحرة كما تتحرك صفحة الماء في استقبال النسيم، وأحسست حرارة الحياة حين خضت على هدى منك هذا الفضاء الذي أخلفه ورائي في العام الراحل.
لقد كنت أتجنب أن أنظر إليه، لأنه يرهبني أن أرى الزهرة الناظرة تذوي في الكهف المظلم، والبرعم الحلو ينطفئ في رطوبة الفناء، والشعلة المقدسة تخفت في مهب الريح العاتية.
- ٥ -
في مثل هذه اللحظات من العام الماضي كنت اقتطفت هذه الزهرة من روضة الصبي فغرستها في أرض الحياة، وسقيتها بماء الأمل، وغذيتها بالأماني، وانتظرت ثمرتها الغضة. . . ولكن الحياة التي ألفت الغدر وعشقت الشر، تريد أن تمنع عني الأريج وتحول بيني وبين الثمرة!
وفي مثل هذه اللحظات من العام الفائت، حملت يداي المصباح الذي يستمد حرارته من دم القلب، ونوره من شعاع العقل، وطوّفت به أنشد الهدف وأرنو إلى الغاية. . . ولكن السبيل ما تزال تملؤها العقبات، وتعترضها الحواجز، وأنا أمضي وأمضي. . . ثم أجدني حيث كنت. . . كأنما أدور حول محيط الدائرة دون أن أستطيع بلوغ مركزها، والمصباح يرف رفيف الأمل المنكسر، كأنما يظهرني على خفقات القلب الآيسة من هذا الطواف الممل. . .
وفي مثل هذه اللحظات أيضاً مددت يدي إلى الحياة، في نفسي السرور، وعلى وجهي البشر، وفي يميني الحق. . . وانطلقت أصافحها، تملأني الثقة، ويزدهيني المستقبل، ولم أفطن لهذا العطاء الناعم الذي كان يكسو يدها ويربق عليها مظاهر الفضيلة. . . ثم أدركت بعدُ أن القفاز يستر الشوك، وأن الشوك ينطوي على السم، وأن السم يكيد للحق ويخنق المستقبل.
لقد أدركت الآن لماذا كان لدقات الساعة في هذه اللحظات مثل تلك الروعة وذاك الأثر. . . لقد كانت توقع بنبراتها الهادئة رنين الأمل الهادي في قرارة اليأس، وتمثل حشرجات الأماني في صدر الزمن، وتبكي بنغمتها المؤثرة العام الراحل. . . وكانت تستفزني أن