هتلر: إن للبحر الأبيض بابين، أحدهما غربي، والآخر شرقي؛ فإذا تمكنت من إقفال الباب الشرقي، فكرت في مساعدتك في إقفال الباب الغربي في جبل طارق، وهذا رد لا يفوت معناه ومغزاه على لبيب.
اتجه الهر هتلر إلى فرنسا، فهي أولى بأن تتحمل نتائج الهزيمة، وغرم الانكسار. فكاشف المسئولين من رجال حكومة فيشي بأغراضه ونياته، من الاستيلاء على المواني الفرنسية، في فرنسا غير المحتلة وفي المستعمرات؛ ومن انضمام وحدات الأسطول للعمل مع الأسطولين الألماني والإيطالي، ضارباً بشروط الهدنة التي حفظت لفرنسا أسطولها ومستعمراتها ناحية الأفق؛ فأبى عليه المريشال بيتان وصحبه أن يجيبوه إلى هذه المطالب والأغراض؛ وابتدأت المعركة السياسية بين هتلر وبيتان، تلك المعركة التي كانت منذ شهر يونيو من السنة الماضية، تتفاوت بين مظاهر اللين والشدة، وبين الاعتدال والاحترام، تبعاً لتطورات الحال، وظهور المفاجآت بين آن وآن.
ففي الأيام التي تلت انكسار فرنسا في الميدان الغربي، كانت هذه المعركة بين ألمانيا وفرنسا، تعلوها مسحة من اللين والتهاون، حيث كان الزعيم الألماني يمني نفسه بقرب غزو إنجلترا، والدخول إلى قصر بكنجهام، إذ يشرب فيه نخب الانتصار!
وأما اليوم، وقد أغلقت جميع الأبواب، وسدت كل المنافذ والفتحات؛ ولم تعد يد تمتد إلى الزعيم الألماني بالمصافاة، فقد تطورت المعركة بينه وبين بيتان إلى احتدام عنيف، وصفته التلغرافات بأنه نضال البقاء أو الفناء.
والحقيقة أن الهر هتلر يحسب حساباً خاصاً للفرنسيين، لما يعرفه عنهم من حدة المزاج، ولما يعلمه تمام العلم من استعداد المستعمرات لاستئناف القتال ضده عند الإشارة الأولى. لذلك جاملهم كثيراً في بداية الأمر، وحاول جاهداً أن يستدرجهم إلى داخل الدائرة الألمانية بالحسنى ولين الجانب. ولم يطرق بابهم بشدة إلا عندما أفزعته الحوادث، ووصل إليه فعل التيارات الآخذة في الاقتراب منه. حتى لقد فضل أن يلج الباب الإيطالي، بحيلة هتلرية، تحت ستار المساعدة ومباشرة عملية الإنقاذ، قبل أن يطرق الباب الفرنسي، ويلح في طلب ولوجه.
وإذا كانت الأنباء قد أجمعت على القول بثبات المرشال بتان أمام تهديد الألمان، ورفضه