التي وجههم إليها:(لا تخونوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تتبعوا موليا، ولا تقعروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا للأكل، وإذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. الخ)
أسمعت حديثا في الرحمة بالعدو المقاتل والرقة له أبلغ من هذا الحديث؟
ذلك بأن الإسلام لا يبغي بالحرب كيدا ولا شفاء ضغن! إنما يبغي بالحرب أعلى المثل: فإما دفع أذى، وإما بسط الحق والخير والفضيلة في هذا العالم. قال الله تعالى يخاطب رسوله الكريم:(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) صدق الله العظيم
ولقد قال تعالى في كتابه العظيم:(إن الله يأمر بالعَدْلِ والإحسان، وإيتاء ذي القربىَ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون)
وكيف ظنك بدين يأمر بالإحسان حتى في القتل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا قتلتم فأحسنوا القتلة).
أما التمثيل حتى بالحيوان فقد أغلظ هذا الدين في النهي عنه، واشتد في الوعيد عليه، فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من مثل بحيوان فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
وتلك كانت سنة الغزاة والفاتحين في صدر الإسلام
وإن تعجب فعجب أن يكون ذلك أدب الإسلام في عصر كان من السائغ المألوف فيه سوم المحكومين المقهورين ألوان الخسف من إهدار الدماء، وتخريب الدور، واستصفاء الأموال، في غير جرم يقترف، أو إثم يجترح، حتى كاد يكون ذلك شرعا مشروعا وواجبا مفروضا!
وأما المثل الثاني فأجلوه لك في حادثين مأثورين عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وهذان الحادثان معروفان شائعان، وما كنت لآتي بهما لولا أنه قد اقتضى الإلمام بهما نظم المقال: وأولهما ما حكى من أن جبلة بن الأيهم - وكان آخر ملوك بني غسان - أسلم وخرج إلى مكة، فلما كان في بعض طوافه داس رجل من فزارة على طرف ردائه فحل أزراره، فلطمه جبلة، فاستعدى الرجل عليه عمر، فدعى به، وخيره بين أن يترضى الرجل أو يقيد له منه. فقال: يا أمير المؤمنين: أتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال ولكن الإسلام