فكم من قلب كبير لبطل كريم في فم ذئب لئيم. . .!
وكم من لسان فصيح بليغ في منقار غراب بكى منكر الصوت قبيح المرآة. . .!
وكم من عين نجلاء صافية تحت خنفساء قذرة وعقرب عمياء!
ثم يصحوا الذين نحروا الجزور وشربوا الخمور وأنشدوا الأشعار وهتفوا وصرخوا بدعوى الجاهلية، ويستيقظون بعد أبتراد الغلة وذهاب الحمية وسكون الترة، ويعودون إلى الخيام يسمعون للبوم والخفافيش وندب النساء وعويل الأطفال على الجثث الطريحة على الشراجع والنعوش. . .
والغول واقفة تقهقه فيذهب صوتها كصرخات مفزعة في شعاب الجبال وبطون الوديان وأغوار الكهوف. . .
ثم يسمع لقهقهتها صدى بعيد من حناجر الشباب الهاتفين: إلى الحرب. . .
إلى الفطام من الحب ونعيم السلم وقرار الأمن. . .
إلى الثأر من الذين قتلوا الآباء واستحلوا الحرمات. . .
ثم تدور الرحى على أمواج الرمال وضفاف بحار السراب والآل
فيلتقي رجل برجل (تحية بينهم ضرب وجيع)
ثم ترقص الحرب عارية حمراء، تنوس على الآفاق ذوائبها السود وغدائرها التي نسجت من ريح السموم. . .!
وتحولت الأمة العربية تحت سحر هذه الغول إلى أمة من الأحطاب. . . لا تتوهج عناصرها وتظهر عبقرياتها الكامنة إلا إذا مستها النار برهة تستحيل بعدها إلى رماد وهباء منثور تذروه الرياح على وجه الصحراء أرض الفناء والصمت الذي لا يخرقه إلا صرخات هذا الإنسان الضائع الفريد. . .
أما النمو والإبراق والإزهار والإثمار فتلك أدوار لم يكن لشجرة الأمة العربية منها نصيب كبير. . . وأنى للأخشاب والأحطاب أن تثمر وأن يكون فيها مناطق نمو؟ لقد أوشك الجفاف المادي والمعنوي أن يميت جذور هذه الشجرة العظيمة العريقة فاحتبس عنها فيض السماء وسيح الأرض مدة جعلت لبلبها يوشك أن يموت ويقسو كالأحجار أو يكون أشد