للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قسوة

ولكن الله رب الطبيعة وموزع إنسانها وحيوانها ونباتها على بقاعها بقدر موزون، ومخرج الحي من الميت ومفجر العيون الثرارة من قسوة الحجارة. . . كان يصنع هذه الأمة هكذا تحت عوامل الحرمان والقسوة والجفاف والجهالة ليصنع منها معجزتها الأخيرة ويخرجها فجأة على إنسانية الشرق والغرب الناعمة المتعلمة الغنية بموارد الخصب والمال وأفانين الحكمة والجمال كما يخرج الفجر الصادق الوضاح من ظلمة الليل البهيم. . . ليعلم الإنسان أن عقله وقلبه في قبضة الذي (الأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه. . .) الذي يجلو بياض النهار، وينسخ سواد الليل ويحيي الأرض بعد موتها ويحول بين المرء وقلبه. . . الذي وضع قوانين الطبيعة وإن شاء خرقها: فهو لا يخضع لها كما يخضع أبناء العجز والفناء. . .

فقال للفجر الصادق في حياة الإنسانية: أبزغ من هنا. . . من أفق هذه العقول المحرومة من هدى النبوات وإرشاد العلوم، واسطع من هذه السماء التي لا ينظر إليها أحد من عباد دنيا الروم وفارس والمفتونين بعلوم اليونان. . . وأشرق من أرض الأوثان على المعابد والهياكل والبيع والصوامع (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء)

وقال للنهر الدافق مخصب العقول البشرية: تفجر من هنا. من هذه الرمال الظامئة والجبال الكزة القاسية، من غير نطفة دافقة ورحم لاقفة واعية، وأفض فيضك وأرسل سيحك على المواضع العفنة والبؤر الفاسدة التي اطمأن فيها الشيطان وعشش، ثم باض وفرخ. . . وأغسلها؛ فإن استعصت على التطهير فليجرفها عبابك وليحدر بها سيلك مع القش والغثاء والزبد الذي يذهب جفاء

(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين!)

وقال للوحدة القومية بل للوحدة الإنسانية الجامعة: استعلني من هذه الأرحام المقطعة والعرى المنفصمة، واقتلي (الغول) واجمعي الفلول. . . (. . . وألف بين قلوبهم. لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم)

<<  <  ج:
ص:  >  >>