شراءها مضيعة للمال. انظري أنت إليها! إنها ليست مستديرة، وليست متساوية في أحجامها. وكثير منها قديم فقد الرونق الحسن. تأملي في هذه. . . وهذه. . . كلا. . أني لن ارمي بأموالي من اجل هذه السفاسف.
دهش تشليني حين سمع الدوق يخاطب زوجه بهذه الصراحة ويفشي لها سره، ولم تمض لحظات على ائتمانه عليه.
ونظرت إليه الدوقة نظرات تلتهب فيها نار الغيظ. ثم خرجت من الحجرة وهي تهز رأسها هزة الثائر المتوعد. فاستولى الرعب علىالفنان وجعلت الحجرة تدور أمام عينيه. وكاد ان يغشى عليه.
وعاد في ذلك المساء إلى داره مهموما منكس الرأس. . . وقد هم ان يعد العدة لمغادرة فلورنسا ليلتمس الرزق في غيرها من المدائن. . . ولكنه رأى أعماله التي اخذ ينشئها، وعز عليه أن يتركها لتهمل وتنسى. أو ليتناولها أعداؤه بالمسخ والتشويه. وعز عليه خاصة ذلك التمثال الضخم الذي أوشك أن يتمه، والذي يمثل فرساوس قابضاً على رأس الميدوزا - وهو يعد اليوم من أبدع مخلفات عهد النهضة - اجل، عز عليه أن يترك أعماله هذه التي يوشك أن يتمها. ويوشك أن يزداد بها صرح الفن علواً وشموخا.
لو إن هذا الحادث جرى له في شبابه لبادر إلى مغادرة المدينة في ساعته تلك، أما اليوم وقد نيف على الخمسين فقد رأى ان يتريث قليلا، لعل الدوق أن يستطيع حمايته ونصره، وان يصلح ما بينه وبين الأميرة.
وفي اليوم التالي غدا تشليني إلى قصر الدوق لعله يلقاه كسابق عادته. ولكنه لم يكد يبلغ القصر، حتى لقيه اعوان الدوقة، واضطروه لان يعود أدراجه بعد أن نال منهم شئ كثير من الإهانة والعنت. واضطر الفنان ان يلزم داره أياما لا يكاد يجرؤ على مغادرتها. ومن قبل كان الدوق يأمر حجابه بأن يفتحوا له أبواب القصر في أي وقت شاء، وألا يحولوا بينه وبين الأمير. أما اليوم فان الدوقة قد أمرت بعكس هذا. وأمرها النافذ. . .!
وزار تشليني أحد الأصدقاء، فأنبأه بان الدوق قد اشترى ذلك العقد! اجل، ولقد دفع فيه ستة آلاف من الدنانير الذهبية راضيا طائعا. . . ذلك أن الدوقة حين أعيتها الحيل. أمسكت العقد بيدها، وجثت بين يدي زوجها، وتناثرت من جفونها دررغوال كانت اكثر بهاء واشد