أكل ذوي المعدات القوية ويعدو عدو أصحاب السيقان القوية، ويقاوم عوارض الجو كما يقاومها أصحاب البنية القوية، ولو لم يعلم أحد أنه بهذه المنزلة من قوة البدن. بل إنه ليأكل ذلك الأكل ويعدو ذلك العدو ويقاوم تلك المقاومة ولو اعتقد أناس أنه ضعيف ممعود
وإن صاحب الامتياز الحق ليشعر بامتيازه ويزداد شعوراً به حين ينظر إلى الممتازين الذين يقوم امتيازهم على مظاهر الخشية والرجاء والركوع والانحناء، فلا يحب أن يبادلهم ما هم فيه، ولا يهون عليه أن يفقد من حريته ورقته ومتعة عقله ما يفقده هؤلاء للوصول إلى (السلطة) التي تناط بها تلك المظاهر
أيظن الأديب كاتب الرسالة أن الدينار الذهب يتضاءل بين يدي الورقة الزائفة ذات العشرة الدنانير؟ أيظن أن رواج هذه الورقة التي لا تساوي نصف درهم يغض من قدر المعدن الأصيل الذي لا زيف فيه؟ إن الطريق السهل لأحرى بالاتباع، وأسهل الطريقين هنا هو احتقار الذين تروج بينهم الورقة الزائفة ويعمون عن الذهب الصحيح. فذلك أسهل من الإعجاب بالورقة الزائفة، ومن مجاراة الغافلين في غفلتهم والجاهلين في جهالتهم، ومن نسيان القيم الصحيحة ذهاباً مع قيم الطلاء الذي يتراءى على وجوه الأشياء، ومن فقدان الوقت والأمانة والمتعة الفكرية والنفسية التي لابد من فقدها في كل سعي إلى لبانة من هذا القبيل
والسبب الثالث الذي يحفز الإنسان إلى طلب السلطة هو اتقاء شرور السلطة والأمان من سيطرة الغالبين، فهو يتقلد سلاحهم ليدفعهم به لا لأنه يحب ذلك السلاح وينزع إلى الضرب به لغير اضطرار
والسبب الرابع الذي تطلب السلطة من أجله هو الانقلاب الاجتماعي الذي لا يتم بغير قوة مشروعة أو غير مشروعة؛ فيطلبها صاحب المذهب الاجتماعي ليستخدم سلطان الحكومة في إصلاح ما يحتاج عنده إلى الإصلاح
تلك هي الأسباب الأربعة التي تغري المرء بطلب السلطة فيما أراه
فإذا شاء بعض القراء أن نمد المشرحة قليلاً لنضع عليها حالة نفسية محققة في مواجهة كل سبب من هذه الأسباب فإليهم خلاصة هذه الحالة النفسية مع الإيجاز
فالرجل الذي يطلب السلطة لأنها وظيفة حيوية أو تركيب بدني هو رجل محسود في رأي