أن أهل السودان وصل عددهم إلى ثمانية ملايين من القلوب، فما في عرب السودان رجل بدون قلب، ولا جاز عند أهل السودان أن يكون الصديق ملكاً في المحضر وشيطاناً في المغيب، وإنما السوداني عدو أو صديق، لأنه يكره الختل والخداع، إلا أن يكون دخيلاً في الانتساب إلى تلك البلاد!
نصحني أحد الأصدقاء بأن أحافظ على الصلوات حين أزور السودان، لأن أهله لا يحترمون غير من يحافظ على الصلوات
فمتى أزور السودان لأعرف المدلول لكلمة الفجر وكلمة الشفق؟
كان أبي رحمه الله يوقظني من النوم لأؤدي صلاة الصبح قبل الشروق، وقد مات أبي، مع الأسف الموجع، ولم يبق لي صديق يذكرني بأوقات الصلوات
فما أسعد المصري المقيم بالسودان، لأن الجو هناك يقهره على مراعاة النوافل قبل أن يقهره على مراعاة الفرائض!
السودان السودان، السودان المسلم، السودان العربي، السودان المصري، وتلك أواصر لا ينكرها إلا جحودٌ أو جهولٌ
إن الذين غلبونا باسم السياسة لا يستطيعون أن يغلبونا باسم الوجدان، فمتى نعرف قيمة ما خصِصنا به من القدرة على الظفر بثقة الأرواح والقلوب؟
مصر غنية بالعواطف، ولكنها لا تعرف كيف تنتفع بذلك الغنى الجميل
مصر التي عذبت زعماءها وهي تذكرهم بواجبهم نحو السودان لم تقهر واحداً منهم على زيارة السودان
أليس من العيب أن يشهد التاريخ أن السودان لم يزره مصطفى كامل ولا سعد زغلول؟
إن الشيخ محمد عبده زار السودان وهو موقوذٌ بمرض السرطان، فكانت تلك الزيارة آية على أنه يعرف معنى الاستشهاد في سبيل الوطن الغالي، ومحمد عبده هو محمد عبده، فمتى يجود بمثله الزمان؟!
أنا أرجو أدباء مصر أن ينسوا الجدل السياسي حول مركز مصر في السودان بعد أن انتهت الأمور إلى ما انتهت إليه، وبعد أن صح أن الهجرة إلى السودان لا تستهوي ألباب المصريين لأن مصر تشدهم إلى ثراها الخصيب بقيود مجدولة من وشائج الخيرات