والثمرات، وهم لهذا السبب أزهد الأمم في الانتقال من مكان إلى مكان
كل ما أرجوه من الأدباء والفنانين أن يذكروا أن بلادنا تنقسم إلى شطرين: مصر الشمالية ومصر الجنوبية، فإن فهموا هذا فقد يصبح من واجبهم أن يصطافوا في الخرطوم كما يصطافون في الإسكندرية. ولم يخبرني الأستاذ عبد العزيز عبد المجيد بجديد حين تلطّف فكتب إليَّ يقول: إن جوّ السودان في يوليه وأغسطس وسبتمبر لا يعرف ما سميتُه (وقدة الصيف): لم يخبرني هذا الصديق بجديد فقد كنت أتابع ما ينشر المذياع من درجات الحرارة في الصيف وكان يسرني أن أعرف أن الحرارة في الخرطوم أقل من الحرارة في الإسكندرية بنحو عشر درجات
فما تفسير ذلك؟
تفسيره سهل، فالصيف في السودان هو موسم الأمطار، الأمطار التي تعيش بفضلها مصر الشمالية منذ الأبد الأبيد، فأين الشاعر الذي تهزه هذه المعاني فيعيش موسماً أو موسمين في ضيافة الأمطار بالسودان ليعرف أن المصريين القدماء لم يسموا النيل (حابي) إلا وهم يدركون أنه حباهم الخيرات والبركات، بفضل ما ينقل إليهم من أمطار السودان. والحابي هو الوهاب، وذلك حرف نقله المصريون عن العرب، أو نقله العرب عن المصريين.
أين الشاعر الذي تهزه هذه المعاني فيزهد مرة واحدة في تعقّب أسراب الملاح في الشواطئ المصرية أيام الصيف ليرى بعينيه كيف تقتتل الأمطار في أعالي مصر الجنوبية ليكون من حظنا أن نجد الفرص لملاعبة الأمواج في أسوان والأقصر وأسيوط والقاهرة والمنصورة ودمياط؟
إن مصر الشمالية فتنت أبناءها أعظم الفنون، فلم يعرفوا أن الرواضع مدينة للروافد، وقد يكون فيهم من يجهل الفرق بين الروافد والرواضع
فمتى نصبر على هذه البلادة الدميمة، البلادة التي قضت بأن نجهل كل شئ من الجوانب الروحية والأدبية في السودان، وبحياضه وأرباضه قبائل صحيحة النسب إلى يَعرُب وقحطان؟
كتب الأستاذ الهادي إلى مجلة الرسالة كلمة تحدث فيها عن زعماء السودان، فمن أولئك الزعماء؟ لم أعرف منهم غير اسمين اثنين، مع أني أعرف مئات الأسماء من أهل الفضل