كما كان في عهد صاحبه. . . ولكن نتاج الحكم والإصلاح مؤقت بحياة صاحبه فلا تدركه الأجيال التالية، إلا بالحكاية عنه والسماع. وليس فيه خلود ذاتي كالأثر الفكري والفني، وإنما خلوده بتطبيقه على الحياة العملية. وهذا طبعاً ليس مطرداً ولا كثير الوجود في جميع العصور. . .
فحياة الإصلاح والقوة في زمن عمر بن الخطاب وعمر ابن عبد العزيز مثلاً انقضت بانقضائهما، وصار الحديث عنها حديث حكاية مضى أشخاصها. وقليل أن يقتدي بهما حاكم آخر، ولكن حياة أي كتاب ديني أو علمي أو فني تبقي تمثل نفس صاحبها ومنتجها دائماً. . .
ومع هذا يجدر بنا أن نعلم أن حياة الفكر وحده لا فائدة منها إلا لفترات (الترف العقلي) والترف العقلي كالترف المالي ما هو إلا شهوة. . . شهوة رفيعة
نعم إن للعقل شهوات كشهوات الغرائز! فالمفكر أو الشاعر الذي يتفرغ لعالمه الخاص ويترك العمل على إصلاح ما يحيط به ما هو إلا كالمدمن المستهتر على الخمر أو القمار؛ إذ يغيب عن حياة المجموع ولا يجعل بين عقله النظري والعقل العملي صلة
والسؤال الذي يجب أن يقدم قبل البحث في هذا هو: أمن الخير للفرد الفقير المريض المحتاج في الأمة أن تقدم له غذاء ودواء وحياة عادلة أم أن تقدم له لحناً جميلاً أو شعراً رائعاً أو نظرية بارعة؟
إن الحياة العملية هي الحكم في هذا. . . وقد مضى العلم والفكر القديمان اللذان كانا يدوران على الذاتية واللذة الشخصية وأتى عصر الفكر العملي الذي ينتج محصولاً ينفع الناس في مرافقهم المعاشية
فصاحب الفكر التجريبي الآن قد صار صاحب الخطوة والخالد الأثر عند الناس. لأنه يشتغل فيما يعود عليهم جميعاً. . .
وقد لفظت الحياة الحالية كل من يفكر على الأسلوب التجريدي القديم الذي لا ينتج شيئاً يصح انتفاع الناس جميعاً به واحتضنت كل من يقدم لها أعمالاً وأغدقت عليه الثروة والجاه والسمعة. . .
وينبغي أن ينصرف حديثنا هذا إلى غير المفكرين من العلماء الطبيعيين الذين يكشفون عن