للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجبينه وشعر بثقل في جفنيه ورأسه وضيق في التنفس، وتساءل في حيرة عما أصابه، وخطر له خاطر مخيف: هل يكون مريضاً؟!. . . وذكر لتوه الحمى الشيطانية التي تفتك بأهل المديرية فتكاً جهنمياً

وكان قد حقن نفسه بالمصل الواقي فكيف انتقلت إليه العدوى؟!. . . هل سبقت الميكروبات المصل إلى دمه؟!. . . ولفه الذعر وكان في الحقيقة جباناً رعديداً شديد الهواجس سرعان ما يستسلم للتشاؤم ويقع فريسة سهلة للمخاوف، فعاد يجس خديه وجبينه فوجدها ساخنة وأحس بجسمه يكاد يلتهب التهاباً فاستولى عليه الفزع وارتعدت فرائصه وقال بذهول (يا للويل. . . لقد أصبت وانتهيت. . .)

وقطعت السيارة مرحلتها وانتهت إلى عيادة الطبيب الشاب - وكانت عيادته ومقامه في شقة واحدة - فتركها على عجل وصعد إلى حجرة نومه واستدعى التمرجي وقال له: (ناد الدكتور سامي بهجة بسرعة وقل له إني أصبت بالتيفود) فجرى الرجل مرتعباً وأخذ الدكتور يخلع ثيابه بيدين مضطربتين وارتدى البيجامة وارتمى على الفراش في حالة يأس ورعب وغم شديد وقد خيل إليه أن شرايينه ستنفجر من الحرارة. وكان يستحضر في ذاكرته أعراض المرض فلم يعد لديه ثمة شك في أنه مريض؛ وثبت في وهمه بقوة أن هذا المرض سيختم حياته. كان شديد الجبن متهافتْ الأعصاب فلم يستطع أن يأمل قط في النجاة وبات في يأس عظيم، وظل بعد الدقائق الثقيلة المرهقة ويصيح غاضباً (هيهات أن يجد الدكتور في عيادته، وسأجن هنا وحدي. . .)

وفي أثناء الانتظار فزعت أفكاره المجنونة إلى القاهرة، إلى أمه، ووجد حاجة شديدة إليها، وإلى وجودها إلى جانبه لتسهر عليه؛ وفكر فعلاً في أن يبعث إليها ببرقية، ولكنه لم يقبل هذه الفكرة بسهولة، وأشفق من إرهاقها وإزعاج حياة والده واخوته الصغار وربما عرضها للخطر أيضاً - وكان هذا أول شعور طيب يخالط قلبه منذ قدم طنطا - فصدقت نيته على أن يطلب إلى الدكتور بهجة نقله إلى المستشفى، وربما تمكن من رؤيتها هناك ليودعها إذا اشتد عليه الحال. وقد حن إليها في تلك الساعة حنيناً موجعاً. . . وأغمض جفنيه هنيهة يلتمس الجمام ويطرد عن قلبه الوساوس والهواجس، ولكن وجدانه الثائر أبى أن يدعه في راحة أو طمأنينة، أو أن يصرفه عن الانشغال الأليم بمرضه. ولم يكن دار له بخلد أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>