للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحنق، وكان مرهق الأعصاب من كثرة العمل، فضرب جبين القروي بالمجهر، فشجه وأسال دمه. . . وقد أسف لذلك حقاً ولكن أسفه لم يخفف عن الرجل شيئاً. . . وذكرته هذه الحادثة بما يقع خلف جدران قصر العيني من أعمال القسوة التي تفزع من هولها النفوس البشرية، فذكر أنه تكاسل مرة عن إجراء عملية لمريض، لأنه كان أجرى هذه العملية مرات عديدة بنجاح، فلم يشعر بحاجة إلى تمرين جديد. واسودت الدنيا في عينيه، وعافت نفسه كل شئ في تلك الساعة الخبيثة

ثم سمع وقع أقدام في الردهة وصوت التمرجي يحادث الدكتور، فتمشت في أعصابه موجة نشاط ونسى وساوسه، وفزع إلى القادم بأمل جديد، ودعا ربه بصوت متهدج قائلاً: (آه يا رب، خذ بيدي! هبني حياتي مرة ثانية، أهب الناس أشرف ما في نفسي حتى الموت)

وما انتهى من دعائه حتى برز الدكتور بهجة من باب الحجرة وهو يقول بصوت مرتفع: مساء الخير يا دكتور. مالك؟

فقال الشاب بهدوء وإن كان في الحق يستغيث: أُصبت!

ففحصه الدكتور بعينين نافذتين وأصابعه تفتح الحقيبة، ثم قال: لعلها أنفلونزا

فقال بيأس: كلا. . . لا أشكو زكاماً ولا صداعاً. . .

- ولكنك لم تشك تعباً أو فقدان شهية في هذه الأيام. . . أليس كذلك؟

وتفكر الشاب قليلاً متحيراً ثم تمتم قائلاً: حرارتي فظيعة. . . إني أشعر بالمرض شعوراً مخيفاً. . .

- هل قست الحرارة؟

فعجب كيف فاته ذلك، وهز رأسه نفياً ولاذ بالصمت؛ فابتسم الدكتور بهجة ابتسامة ساخرة، ودنا منه والترمومتر في يده، ثم وضعه في فمه وانتظر هنيهة، ثم أخذه ثانية ورفعه إلى مستوى عينيه، ونظر إلى وجه الشاب رافعاً حاجبيه وقال ببساطة: حرارتك طبيعية. . . أنظر!

وقرأ الشاب الترمومتر وهو لا يصدق عينيه، وجس خده ثم قال: هذا عجيب! خدي ما يزال ملتهباً. كيف هبطت الحرارة؟

وأتى الدكتور بسماعة وطلب إليه أن يفك أزرار الجاكتة ففعل؛ ووقع بصر الرجل على

<<  <  ج:
ص:  >  >>