وما هو الأجر الذي يقدم إلى الكتّاب في مصر حتى تصوب إليهم سهام التجريح؟
مازلنا نشكو الغبن الذي يلاحق الصحافة الأدبية في هذه البلاد، فليس أمام الكاتب الأدبي فرصة واحدة من الفرص التي يتمتع بها الكاتب السياسي، لأن مصر التي برعت في خلق العصبيات السياسية، لم تفكر في خلق العصبيات الأدبية، والكاتب السياسي قد يستطيع التمتع بإجازة يتذوق فيها طعم الراحة شهراً أو شهرين مع حفظ حقه في المرتب؛ أما الكاتب الأدبي، فهو مقهور على معاقرة الكدح الموصول، إلا أن يغنيه الله عن ذلك الأجر الممنون
من المزعج أن تُنسى حقوق الكاتب الأدبي، وهو يعاون معاونة جدية على ترقية الصحافة الأدبية، وهي صحافة لم تكن ولن تكن إلا لونا من ترف العقول، وهي الشاهد على إن الأمة لها في عالم الفكر مطامح وآمال، ولكن أين المنصفون؟
ونحن قد زهدنا في خدمة الصحافة السياسية، وهي الصحافة التي يخطب ودها أقطاب السياسة ورجال الأعمال، والتي تمكن أصحابها من نواصي المناصب العالية، فهل كنا من الموفقين في إيثار ذلك الزهد؟ هيهات. . . فما كان زهدنا في الصحافة السياسية إلا ضرباً من الخذلان!
قد نعزّي أنفسنا فنقول: إن الجهاد في الميدان الأدبي أبقى على الزمان، وتلك والله علالة المهزومين؛ وإلا فكيف يُحسد الكاتب الأدبي على الانتفاع بجهوده الأدبية، وهي لن تصل به إلى منازل المجد إلا يوم يتولى أمور الناس رجل في حصافة ابن العميد، أو عقل سعد زغلول؟
وما هي تلك المنافع التي نعير بها في مجلتك، يا صديقي الزيات؟
وما الذي استفدت أنت من خدمة الأدب، وبيدك مجلة أدبية تضر بها وتنفع؟
كل ما غنمته هو السلامة من مزالق الشبهات، وذلك مغنم عظيم جداً، ولكنه قليل الوزن في العصور الممسوخة، عصور الزهد في معالي الأُمور. ولو اعتدل الميزان - كما رجونا ألف مرة - لكان للصحافة الأدبية مكان مرموق في هذه البلاد، ولكنه لن يعتدل إلا بعد أحيان طوال، ويومئذ ينسى الناس أن مصر عاش فيها أقوام حفروا أساس الصحافة الأدبية بأسنة الأقلام، وهم محرومون من عطف الصديق المواسي، والناصر الرقيق