فمنها أن المغني قد يغني للجماهير بصوت أدركته أعراض الشيخوخة، ويغني ولو كان من ذوي الخنخنة أو كان مزكوماً، ولا يفكر في سلامة صوته، ولا يعني بنقاء حنجرته وصحة صدره، وهو يزعم أنه مطرب.
ومنها إن يقدم على رفع صوته إلى أعلى الطبقات وهو غير قادر، فيظهر ما يعاني من مشقة. وليس هذا الجهد الجاهد بغناء الصوت الكرواني المخلخل الذي يحلق بسهولة عظيمة، ورفاعته أنه غناء لا عناء.
ومنها أنه يقطع الأغنية كلمة كلمة، ويكرر الواحدة عشرين مرة زاعماً أن كل مرة تأتي بلون من الإيقاع غير ألوان الأخريات؛ وهذه وتيرة مملة وان صدق في زعمه، لان معنى الكلمة لا يتغير جوهره في هذا التلوين الصوتي الذي يؤكده؛ وهو زعم لا يصدق في كل المرات، وان صدق أحيانا في بعضها. على أن التكرار مرة أو مرتين، بشرط ظهور مزيته، معقول مقبول مواضعه؛ وحسب المستمعين والمغني، بعد ذلك أن يعرض ألوان صوته في سياق اللحن ويترك ما يسئم.
ومنها أنه يطيل الوقف بعد الكلمة بلا داع ولا معنى، وقد يطول الوقف بين كلمتين، أو كلمة وجملة، أو جملتين، لما يقحم بينها من عبارات موسيقية معانيها لا تلائم معاني الغناء: كأن تدل تلك على غضب ففرح، فثورة فمداعبة، بينا تدل هذه على شجن صاعق كالعادة، فتنفصم سلسلة الغناء وتختلط الدلالات الصوتية المتضاربة، ويذهب التقطيع والاختلاط بلذة اللحن والصوت المغنى أن كان فيهما لذة
ومنها أنه قد يقف على نصف كلمة، أو ثلث أو حرف منها، ولو كان همزة؛ وقد يستأنف من هذه الهمزة ويجأر بها مراراً فيحدث بذلك نواتئ ومنكسرات صوتية، مع أن المنحنيات آنق والطف وأحب إلى الأذن وتلك النواتئ مؤلمة
ومنها انه قد يترك السكوت بإطلاق صوته بغتة كالمدفع لقصور ذوقه عن حفظ التناسب، وقد يتنبه لهذه الفجاءة ويحاول تخفيفها متعجلا في الغض من صوته فيزيد وضوحاً.
ومنها أنه يمد كل حرف من كلمة مدا يطول حتى لا يستطيع المستمع أن يجمع حروفها، فيضيع معناها؛ وأنه قد يمسخ اللفظة بتأنق على ذوقه السقيم، كأن ينطق بكلمة الحرية مثلا: لو حوورييية، فلا يفهم أحد هذه الأناقة الشنيعة