السلام عليك ورحمة الله وبركاته - أما بعد، فقد تلقيت كتابك البليغ في شعره ونثره، والبليغ في إعرابه عن عواطف نفس فاضلة تسارع إلى التشجيع على مكارم الأخلاق، وتلمح أدنى مظاهر الوفاء فتجعل منها فضلاً كبيراً
ولقد وقع في نفسي أبلغ وقع ما وجهه إلي الأستاذ من كلمات عطف وود، وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنه، وأن ينفعني ببركة دعائه، ولا يفتنني بعظيم ثنائه. وحيا الله الأستاذ وبياه
مصطفى عبد الرازق
رحلة الشتاء والصيف
كتب الأستاذ أحمد أمين في العدد الهجري الممتاز من مجلة الثقافة (سيرة الرسول في كلمة) وقد جاء في مقالته ما يلي: (وجده هاشم - والضمير يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم - صاحب إيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. سن لهم رحلة اليمن والحبشة في الصيف، ورحلة الشام في الشتاء الخ. . .) وكان مستنداً في هذا إلى قوله تعالى: (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف)
وقد لحظت الخطأ الظاهر في ذلك القول منذ أول قراءتي المقال، ولكنني كنت أظن أن الأستاذ الفاضل سينتبه إليه، ويعود إلى تصحيحه، وقد مرت بضعة أسابيع دون أن يفعل، فرأيت من الخير أن أعود إلى الموضوع منوهاً عنه بكلمتين. بإذن الأستاذ الزيات عجل الله في شفائه
فمن المعروف أن رحلة الشتاء لم تكن إلى الشام، ولا رحلة الصيف إلى اليمن والحبشة، وإنما الأمر بعكس ذلك تماما؛ وليس من المعقول أن يرحلوا إلى الحبشة واليمن في وقد الصيف وحره، أو يقصدوا الشام في برد الشتاء وزمهريره. وقد جاء في الجزء الثاني من (الكشاف) للزمخشري (الطبعة الأولى المطبعة البهية المصرية سنة ١٩٢٥) صحيفة ٥٦١ سطر ٣٠ - ٣٢ في تفسير الآيتين الكريمتين المذكورتين آنفاً ما يلي:(وكانت لقريش رحلتان، يرحلون (في الشتاء إلى اليمن)، (وفي الصيف إلى الشام)، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته، فلا يُتَعرضْ لهم، والناس غيرهم