ولكنها من الوجهة الأدبية، لا تزال شروطها وواجباتها كما كانت بالأمس وكما ستكون في الغد، واحدة لا تتبدل ولا تتغير (صدق في رواية الحوادث والأنباء، وإخلاص في بسط الأفكار والآراء، ونقد حيث ينبغي النقد، وثناء حيث يجب الثناء. ومن وراء كل هذا، العمل على تنوير الأذهان، وتثقيف العقول، وتقويم الميول، ومقاومة الأهواء لإرشاد الرأي العام، وتوجيهه إلى الغرض الأسمى والمثل الأعلى)
نعم ما أكثر واجبات الصحفي! وما أتبعها وأشقها في التنفيذ! ولكن ما أنبلها وأسعدها في النتائج!
قلت في محاضرة ألقيتها منذ أربع سنوات على أسلاف لكم أيها الطلبة النجباء في معرض الكلام عن واجبات الصحافة:
كم لدينا من المشاكل الاجتماعية والعمرانية والمسائل المالية والاقتصادية والشؤون الاشتراعية والإدارية، ينبغي للصحافة أن تعالجها وتقتلها بحثاً وتمحيصاً، لتحييها نشراً وتنفيذاً
إن أمامنا أمة أضر بها النظام الماضي، يجب أن تتعلم، فتعرف أن لها عقلاً يجب تثقيفه، وصحة يجب تدبيرها، وثروة دفينة يجب استغلالها، وأدباً عالياً يجب إحياؤه، وتراثاً مجيداً يجب إنماؤه، حتى تدرك الأمة في نهاية الأمر أنها هي (الأمة مصدر السلطات) حقا. فمن لهذه الواجبات المقدسة غير الصحافة الوطنية، وهي بعد السلطة الاشتراعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية رابعة السلطات؟
إن لنا وطناً كان قد هيض جناحه وشتت قواه، واستبيحت حياضه واعتدى على حماه، فيجب الذود عن حقوقه، والدفاع عن مصالحه وشئونه، وإعلاء كلمته بين الأوطان، ليظل زعيم جيرانه، ويصبح قرناً محترماً بين أقرانه. فمن لهذا الواجب غير الصحف، والصحف كما تعرفون قلاع منيعة من الورق لا تؤثر فيها قنابل المدافع، والأقلام التي تكتب بها مصنوعة من الفولاذ الذي تصنع منه السيوف؟
إن لنا دستوراً، وقد حلفنا يمين الأمانة له، وعلى أساسه قام الحكم النيابي بيننا، فلابد من الدفاع عنه لتصان حرياتنا الدستورية. وكيف تصان هذه الحريات إذا فقدت صحافتنا حريتها؟ إن كلمة (شاتوبريان) أشد انطباقاً على تاريخنا الدستوري منها على تاريخ سوانا