قال:(إذا فقدت البلاد دستورها فإن الصحافة كفيلة بأن تجده وترده إلى البلاد). فلقد ضاع دستورنا أولاً وثانياً، فكانت صحافتنا في طليعة من جد وراءه ورده إلى مصر سليماً. فواجب الصحافة إلا تتخلى عن هذا الواجب
إن على رأس الأمة حكومة يجب أن تعاون في مشروعاتها الإصلاحية، مادية كانت أم أدبية. أما معاونة الصحف للحكومة فتقوم على مناصرتها وتأييدها، كما تقوم كذلك على نقدها ومؤاخذتها في مواطن النقد والمؤاخذة. فكلتا الصحافتين: المؤيدة والمعارضة تقوم بواجبها الصحفي الحق، مادام الإخلاص رائدها والصدق نبراسها، فلا تميل مع الهوى، ولا تذهب مذهب الأغراض الملتوية. ومن المسلم به أن لكل كاتب أسلوبه ولكل صحيفة خطتها: فهذه تأخذ باللين والهوادة، وهذه تعمد إلى الشد والعنف. وأمراضنا الاجتماعية كأمراضنا الجسمية: هذه تحتاج إلى الكمادات والمراهم، وهذه لابد لها من المبضع بعمل فيها عمله. والحكومة الرشيدة ترحب بالنقد العادل ترحيبها بالثناء الحق. وإذا كانت الحكومات تجزع أحياناً مما تقوله الصحف، فإنها أحياناً قد تستهدف للتهلكة من جراء ما لا تقوله الصحف
أعني بذلك أن حرية الكتابة يجب أن تكون مكفولة، وذلك لمصلحة الحكومة نفسها؛ فإن حرية القول هي الوسيلة الوحيدة لوضع حد لاستباحة التمادي في حرية الفعل. ولا أعني بذلك حرية الافتراء والتضليل، كما لا أعني أن تنشر الصحف كل ما تعلم، فللقول ساعات يضر فيها الخطأ ولا ينفع الصواب
هذه واجبات الصحافة. وأكرر القول أنها واجبات كثيرة متشعبة وشاقة. وهيهات أن تستطيع الصحافة النهوض بها وحدها على الوجه المروم، إذا لم تقم الحكومة والأمة بواجبهما نحو الصحف
ولقد سبق لي في موقف آخر أن أفضت في تبيان هذا الواجب، واكتفى اليوم بالقول أن الأمل بحصول الصحافة على ما لها من حقوق بات معلقاً على تأليف (نقابة الصحفيين) ويخجلني أن أذكر أن ليس للصحف نقابة حتى الآن، في حين كاد يصبح عندنا لكل صناعة ولكل مهنة نقابة. وتاريخ المحاولات لتأليف نقابة الصحافة طويل مؤلم. ورد ذكرها لأول مرة منذ نصف قرن. فقد كتب منشئ (الأهرام) - طيب الله ثراء - فصلاً في مثل هذه