ونجد أيضاً الإعلانات، وقد أصبح الإعلان فناً قائماً بنفسه من حيث الشكل والأسلوب، وهو ركن أساسي في إيراد الجريدة لا غنى لها عنه لتكفل حياتها، أو على الأقل لتكفل استقلالها
قال لي مدير إحدى كبريات الصحف الأمريكية:(كل مشترك جديد في جريدتنا يخسرنا سبعة دولارات، ولكننا نرحب به، لأن (تعريفه) الإعلانات عندنا ترتفع بنسبة زيادة عدد النسخ المطبوعة فتعوض أجرة الإعلانات هذه الخسارة وتعود علينا بربح)
ولا أريد أن أطوي حديثي معكم على هذه البيانات المادية، بل أستميحكم بضع دقائق أخيرة نتحدث فيها عن أسلافنا البعيدين، وهم الصحفيون عند العرب في الجاهلية وصدر الإسلام وقد عنيت بهم (الشعراء) فانهم كانوا يدونون حوادث القبيلة أو الربع في قصائدهم، فيتناقلها الرواة. وكم من قصيدة سجلت حوادث القوم ووقائعهم الحربية أو في تسجيل، حتى لكأنها الصحيفة العصرية تسرد الأنباء والأخبار سرداً. . . ودواوين الشعراء زاخرة بهذا النوع من الشعر الإخباري، فنجد فيها الشيء الكثير منه
اسمعوا على سبيل المثال هذين البيتين لبشار بن برد، وقد تكلم في البيت الأول عن الحرب الخاطفة - وضمن البيت الثاني وصفاً لواقعة حربية جاء أشبه شئ ببلاغ من البلاغات الحربية التي نقرأها كل يوم، قال:
بعثنا لهم موت الفجاَءة، إنما ... بنو الموت خفاق علينا سبائبه
فراحوا: فريق في الإسار، ومثلهُ ... قتيلٌ، ومثلُ لاذَ بالبحر هاربه
وهكذا كان الشعراء يدونون الحوادث في أشعارهم كما يفعل الصحفيين اليوم في جرائدهم. وكانوا كذلك يقومون بمهمة الإعلان، ولا نعرف (التعريفة) التي كانوا يتقاضونها عن الإعلان في شعرهم
ولعل ألطف إعلان بالشعر ما ذكره كتاب الأغاني، وخلاصته: أن تاجراً من أهل الكوفة قدم المدينة بخمر - والخمار ما تغطى به المرأة رأسها، وقد عادت (مودته) الآن - فباعها كلها، وبقيت السود منها فلم تتفق، وكان صديقاً للدارمي فشكا ذلك إليه. وكان الدارمي قد نسك وترك الغناء وقول الشعر؛ فقال له:(لا تهتم بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع)، ثم وضع شعراً للغناء:
قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا صنعت براهبٍ متعبدِ