العرب في الجاهلية إلى فقرهم، لأن ذلك كان يفعله أغنياؤهم وفقرائهم، ولا غيرتهم على أعراض البنات، لأن ذلك يرجع عند من يراه إلى قصة قيس بن عاصم. ووأد البنات أقدم منها عند العرب، وقد رأى أن يرجع ذلك إلى سبب استنبطه من الآيات القرآنية التي وردت في وأد البنات؛ وهو أن بعض العرب كانوا يعتقدون في البنات إنهن من خلق إله اليهود، وكانوا ينظرون إليه نظرة كنظرتنا الآن إلى الشيطان؛ أما الذكور فمن خلق آلهتهم، ولهذا كانوا يعتقدون في البنات أنهن رجس يجب التخلص منه بالقتل، ثم ساق الآيات التي استنبط ذلك منها، فساق أولاً قوله تعالى:(ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون. ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون، وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به؛ أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساءوا ما يحكمون) الآيات ٥٦ - ٥٩ من سورة النحل، وقد فسر البنات في ذلك بالإناث من البشر، وحمل قوله تعالى (ولهم ما يشتهون) على انهم يجعلون لآلهتهم ما يشتهون من البنين، وكل من التفسيرين غير صحيح، لأن المراد من البنات الملائكة الذين كانوا يقولون عنهم انهم بنات الله، والمراد من قوله تعالى (ولهم ما يشتهون) انهم يجعلون لأنفسهم لا لآلهتهم البنين الذين يشتهون، فينسبون لله من البنات ما يكرهونه لأنفسهم، وهذا هو الذي ينطق به ما ساقه من باقي الآيات، كقوله تعالى:(وجعلوا له من عباده جزءاً أن الإنسان لكفور مبين، أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين، وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) الآيات ١٥ - ١٩ من سورة الزخرف، فمن جعلوهم جزءاً هنا لله هم البنات في آيات النحل، وهم الملائكة الذين جعلوهم إناثاً هنا، والمراد انهم جعلوهم أولاد الله، فأين هذا من تفسير الأستاذ وافي لهم بالبنات من بني آدم، وإن العرب كانت تعتقد أنهن خلق الله لا خلق آلهتهم، وكذلك قوله تعالى (وأصفاكم بالبنين) وصريح في انهم كانوا يجعلون البنين لأنفسهم، وليس الأمر كما فهمه الأستاذ وافي من انهم كانوا يجعلونهم لآلهتهم، وأصرح من هذه الآيات في ذلك قوله تعالى (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً إنكم لتقولون قولاً عظيماً). فليس في شئ من الآيات التي ساقها الأستاذ وافي ما يفيد أن العرب كانوا يعتقدون أن بناتهم من خلق