(وهذه الحقيقة وحدها بنجوة عن جميع الأقاويل وجميع الأسانيد. هي الحكم الحاسم في كفاءة هتلر الفنية، أو فيما يدعيه من مواهب التصوير والبناء. فهي لن تعدو الطبقة الوسطى بحال، ولن تتجاوز نصاب التذوق الشائع بين مصطنعي النقد والموازنة في الفنون)
فهذا رأى قديم لنا نبنيه على الواقع كما نبنيه على المعقول، لأن التاريخ لم يذكر لنا قط اسماً واحداً من أسماء العباقرة الفنيين طلق الفن ليحكم الناس ويطلب السلطة. وليس بمعقول أن تمتعه السلطة كما يمتعه الخلق في عالمه الفني الذي يصرفه تكوينه إليه.
وهذا الرأي مطابق لسنة التطور التي تنتقل من الجمع إلى التوزيع، من حصر الملكات إلى انتشارها في عقول كثيرة.
فاتفق في زمن من أزمان الهمجية أن حاكم القبيلة كان حكيمها وساحرها وكاهنها وطبيبها وحافظ تاريخها. فهو فيها جامع لوظيفة السياسة ووظيفة الدين ووظيفة العلم ووظيفة الفن والثقافة، ثم انقضى هذا العهد وتوزعت الملكات وأصبحت كل وظيفة من هذه الوظائف شعباً لا تحصى ومقدرة يستعصي الجمع بينها وبين غيرها، ولا يؤدي هذا الجمع إلى مصلحة للنابغ ولا للمنتفعين بنبوغه.
وبعد هذه الدهور المتطاولة يأتي من يزعم أن إعراض المفكرين وعباقرة الفن عن طلب الحكم خيانة لأمانة النبوغ إذا كانوا يستخدمون السلطة في بناء مجد الوطن. . . ويسأل: ما قيمة المتعة الفكرية أو الذوقية إذا لم يستطع الرجل أن يستثمر قدرته البناءة بمطلق طاقته وحيويته؟
فما قيمة الحياة نفسها بغير متعة فكرية أو ذوقية؟ وما قيمة مجد الوطن إذا خلا من المفكرين والعباقرة الذين يعيشون ويموتون للفكر، ويعيشون ويموتون لمتاع الأذهان والأذواق؟ أكل مجد الوطن إذن في رفع الأيدي بالسلام، ودق الأرض بالأقدام، وخطوة إلى الوراء وخطوة إلى الأمام، وتفرج على السلطة ومواكب السلطة أيام الزحام؟
أهذا هو مجد الوطن الذي يخونه أمناء الفكر والذوق لأنهم لا يتطلعون إلى السلطة ولا يتحولون جميعاً إليها كلما وفر عندهم نصيب الفكر والذوق؟
أن كان الأديب يخال أن المفكر الصادق التفكير لن يشعر بالامتياز إلا وهو متسلط في