(إن من أقبح مظاهر اسر المرأة في الأفراد والأمم ترك حبلها على غاربها، وقذفها بذلك الجسم اللين والعواطف الرقيقة والفؤاد المملوء رحمة، والمهجة المتشعبة الشفقة، أن تزاحم الرجال في معترك الحياة كتفاً لكتف لسد رمقها، فتقضي طول نهارها وجزءاً من ليلها بين لهيب المعامل ودخانها أو على قارعة الطرق بين هيجاء تلك المدينة المفزعة. ولو تسنى لك يوماً من الأيام أن تزور معامل أوربا وأمريكا مما جمع إلى فخامة المبنى وضخامته سعة لا يكاد يحيط بها البصر، رأيت في داخلها أمرا عجيباً: رأيت جماعات من ذلك الجنس الرقيق مكلفات بأشق الأعمال وأقسى المحاولات العضلية واقفات أمام التنانير المسجورة يعانين أوصاب الحياة ومرارة العيش، تقرأ على وجوههن التي لفحتها تلك النيران المستعرة هذه الجملة التي لا تذهب من مخيلتك أبدا:
(هذا منتهى أسر الرجل للمرأة)
ومحررو المرأة عندنا بدلا من أن يعدوا هذا مرضاً اجتماعياً كما يعده علماء العصر الحاضر ويضعوا كل همهم في حياطة بلادنا منه مثل ما يفعله حكماء أوربا وأمريكا تراهم يودون أن يفتحوا علينا ذلك الباب الهائل لظنهم أننا سائرون خلف أوربا قدما بقدم.)
ولقد صدق الأستاذ وجدي فيما كتب فمحاكاتنا للغرب تدفع نساؤنا الحديثات في كل ميادين العمل الاجتماعي ويغرر بهن ليسرن في هذا السبيل من غير قيد ولا حذر. وقد توقع الكثير من علماء الاجتماع سوء عاقبة هذا التمادي في التغرير بالمرأة وتوريط المجتمع في كوارث اقتصادية وخلقية، حتى أن (أوجست كومت) وهو رأس من رؤوس فلاسفة الغربيين كان يرى من واجب الهيئة الاجتماعية أن تضمن للنساء حياة ناعمة مريحة إذا أعوزهن من يكفلهن من الأقارب والأزواج. وذلك لكي تتجه النساء وجهتهن فيما خلقن له من إسعاد الأسرة ودعم أسسها، ومن إنعاش جو المحبة، ومن إشاعة نسمات السلام. وإن ما يذهب إليه هذا الفيلسوف يساير تعاليم الإسلام حين يوجب على بيت المال أن يقوم بنفقات من يفقدن كافلهن ولا يملكن ثروة تدرأ عنهن العوز، أو ليس لهن من يعولن عليه من ذوي القربى الواصلين للأرحام.
ولقد ذهب كذلك (جول سيمون) الاجتماعي الفرنسي إلى تأكيد ما يفصل بين واجبات المرأة وواجبات الرجل في الحياة الاجتماعية مما يدعو في جملته وتفصيله إلى الحد من التغرير