لن أنسى واجبي في دعوة أدباء العراق إلى التفكير في الانتفاع بذخائر الثروة الروحية والعقلية في تلك الأرجاء.
كان الكبح السياسي في القرن الرابع أعنف من الكبح السياسي في القرن الرابع عشر، فأين العراقيون اليوم من جهود أسلافهم بالأمس؟ لقد تمخض الكبح السياسي والديني في القرن الرابع عن ذخائر فلسفية هي (رسائل إخوان الصفاء) فأين ثمرات الكبح السياسي في هذا العهد؟ وأين محصول العقول في تدبير الرسائل لشر أحلام القلوب وأهواء النفوس؟
كنت كتبت كلمة في الرسالة اصد بها الأديب (الدسوقي) عن الاغترار بما يصدر عن وحي القلب في سن العشرين، فثار جماعة من أدباء الشباب وعدوا كلمتي تعطيلاً لمواهبهم الأدبية. ولكنهم لم يستطيعوا أن يفحموني، وأفحمني شاب عراقي حين سألني وهو في بغداد عما كنت اصنع بأحلامي وأفكاري يوم كنت في سن العشرين!
ومن هذا الكلام فهمت أن الخميرة الفلسفية لها بقايا في العراق. وقد عرفت في بغداد شاباً كان ينفق على أهله وهو تلميذ بالمدارس الثانوية من دراهم معدودات كان يجنيها بعرق الجبين في خدمات أدبية شريفة لا تصرفه عن استذكار الدروس؛ ولا أدري ما صار إليه أمر ذلك الشاب، وإن كنت أعرف أن مجلة الرسالة قومت أدبه فنشرت له قصة من أدب طاغور بعناية والتفات. وإن صحت فراستي في هذا الشاب فسيكون له بين أكابر الأدباء في العراق مكان.
العراق روحياً بخير وعافية، ولكن كيف نخلق الفاعلية الأدبية في العراق؟ وكيف تخلق المنافسة الجدية بين القاهرة وبغداد؟
أما بعد فأين أنا مما أريد
حديث اليوم عن الصحافة العراقية، وقد تكلمت عنها بالتفصيل في كتاب (وحي بغداد) فما هو الجديد في هذا الحديث؟
الجديد هو أن الصحافة العراقية لا تزدهر إلا حين تبتعد عن المشكلات السياسية، ولكن كيف وكل امرئ في العراق يشغل نفسه بالسياسة ولو عاش في الدربونة الواقعة خلف شارع صريع الغواني؟