وأقول إني أقاوم ذلك التيار لمنفعة وطني، فالوطن الغالي يناشد أبناءه جميعاً أن يعيشوا في تعاون وتساند، وهو يدعو الفقراء إلى الفرح بسعادة الأغنياء، كما يدعو الأغنياء إلى البر بالفقراء. ولن يعطف الله على الفقير إلا يوم يفرح بحلول النعمة على جاره المسعود، والفقير الذي يفرح جاره الغني هو الصورة الصحيحة للأدب الذي دعانا إليه الأنبياء
أما بعد فما هو أصل الخلاف؟ يقول الأستاذ فكري أباظة: إني حملت على الفلاحين والفقراء. لا، يا صديقي، وإنما كان رأيي أن الفقر الذي يعانيه بعض الفلاحين والعمال والصناع له أسباب، لأن الفقر في الجيب كالعلة في الجسم، ولكل نتيجة مقدمات
فما وجه الخطأ في هذا القول؟ وهل من الصحيح أن جميع الفلاحين والعمال والصناع منزهون عن الأغلاط؟
إن كان ذلك فكيف يصيبهم الفقر وهو لا يصيب غير من حرموا قوة الأخلاق الاجتماعية والمعاشية؟
وكيف اتفق لجميع المصلحين أن يضعوا آداباً لطلب الرزق، وهي آداب موجهة إلى الفقراء؟
وكيف يحرم علينا أن ندعو فقراءنا إلى التخلق بالأخلاق الاجتماعية والمعاشية، وهي دعوة تلقيناها عن أسلافنا الأمجاد؟
وأهجم على الأستاذ فكري أباظه فأوجه إليه هذا السؤال:
إذا صح أم جميع الفلاحين والعمال والصناع على جانب عظيم من الأخلاق الاجتماعية والمعاشية فكيف جاز أن يعيشوا فقراء ونحن نعرف أن السلامة من الآفات الأخلاقية تضمن السلامة من آفات البؤس؟
ثم أوجه إليه سؤالاً آخر فأقول:
إذا صح أن جميع الفقراء في غاية من الأمانة والصدق فكيف جاز أن يقوم بينهم وبين الأغنياء حجاز سميك لا تنفذ منه بوارق التعاون إلا في أندر الأحايين؟
ثم اوجه إليه سؤالاً ثالثاً فأقول:
إذا صح أن الناس جميعاً بخير من الوجهة الأخلاقية فلأي غرض تنشأ الجرائد والمجلات؟