إن كان الأستاذ فكري أباظة راضياً عن أحوال الصناع والعمال والفلاحين ففي الدنيا أقوام يرون غير الذي يراه، ومن حق أولئك الأقوام أن يعلنوا آراءهم بلا تخوف ولا تهيب، لينقلوا المجتمع من حال إلى أحوال، وليخطوا في كتاب الإصلاح الاجتماعي صفحة جديدة يحفظها التاريخ
ثم ماذا؟ ثم يسألني الأستاذ فكري أباظة عن أهلي في الريف، وهو يؤكد أن أقدامهم الممزقة وأياديهم الخشنة وصدورهم المحروقة ووجوههم الملوحة تشهد بأنهم أشقى سكان العالم وأعنفهم عملاً وكداً وكدحاً
وأقول إن أهلي ليسوا كذلك، مع الأسف الموجع؛ فلو كنت أعرف أن لأهلي في الريف أقداماً ممزقة، ووجوهاً ملوحة، لطابت نفسي، وأيقنت أن الريف لا يزال بخير، وإنما أعرف أن أهلي وأهلك تسامعوا بأن القاهرة نشأ فيها رجال يبكون أو يتباكون لشقاء الفلاح، ويزعمون أن الفلاح الأوربي أو الأمريكي يعيش عيش السعداء، فلا يعاني صحبة الفأس والمحراث إلا وفي يده جريدة يطالع فيها أخبار الصباح أو أخبار المساء!!
ليت أهلي في الريف حفظوا عهد جدي، فقد كان جدي رحمه الله يحدث أبناءه بأن الحقل يفرح بصاحبه حين يراه، وهم اليوم لا يرون حقولهم إلا في الحين بعد الحين، وأكثرهم يخجل من أن يسحب بقرة أو يركب جملاً! وكيف يسبحون البقرات أو يركبون الجمال وهم من أبناء الجيل الجديد، الجيل الذي ينشئ في سنتريس أكثر من سبع قهوات مع أن أهلها لا يجازون عشرة آلاف، ومع أن الآباء والأجداد في سنتريس لم يكونوا يشربون غير الماء القراح
أريد أن أرى بين أهلي رجلاً ممزق القدمين من آثار الكدح الموصول لأتقرب إلى الله بالثناء عليه، ولأنشر عنه مقالاً في مجلة مصرية أو شامية أو عراقية
أنا لم أفكر في (إحداث ضجة) تقع كارثتها فوق رأسي، كما يهددني الأستاذ فكري أباظة، وإنما أفكر في مصاير قومي، وأنا بشهادة خصومي أصدق الناس في الوطنية، ولله الحمد على هذا الميراث النفيس
وأهجم على الأستاذ فكري أباظة مرة رابعة فأوجه إليه هذا السؤال: