للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صور المثل الأعلى للوالد والولد والزوج.

قال (سانت بيف) بحق (إن كورني هو الشاعر الجدير بأن يعاصر الفيلسوف (ديكارت). كان الفيلسوف يبرهن على وجوده بالفكر فيقول: (أني أفكر، إذن أنا كائن، وكان الشاعر يبرهن بالفكر على الحساسية المحركة والحياة، فكل شخص في قصصه يقول أني أفكر، إذن أنا شاعر حي).

وكل ما يعاب على كورني انه لم يصور المرأة في قصصه تصويرا طبيعيا. وذلك لانه لم يحب قط، ولم يسبر غور القلب النسوي، وكل أبطاله النساء لا تمت إلى الطبيعة إلا بصلة ضعيفة لانه خلقهن من إدراكه لا من تجربته وملاحظاته.

كان كل همه أن ينتج الإعجاب بالفضائل. وقد بلغ غايته بجعل الواجب يناضل الهوى ثم ينتصر عليه. أي انه بلغ غايته بتصوير البطولة احسن تصوير. وهذه الغاية أرغمته في بعض الأحايين على أن يبالغ في قوى أشخاصه ويعلو بهم فوق الضعف الإنساني ليحيلهم إلى أبطال.

وقد اعجب (فولتير) في القرن الثامن عشر بكورني إعجابا شديداً، حتى انه تبنى بنت أخته وزودها بمهر ثم زوجها. ونشر كتب كورني وشرحها، وقال في المقدمة: (الشرح الوحيد لكتب كورني يجب أن يكون بكتابة هذه الكلمات في اسفل كل صحيفة: جميل. جليل. إلاهي!).

وطبعي أن ينهض كورني بالمسرح الفرنسي لانه جاء في عصر زاهر مهيأ لهذا النهوض. إن المسرح من انفع وأنبل ما ابتكر العقل الإنساني لتهذيب العادات وصقل الخلق. لا يمكن أن يصل إلى كماله إلا عند ما تبلغ الجماعة نفسها قمة مدنيتها. ولهذا يتكون الفن الدرامي دائما في بطء بينما يظهر الشعر الحماسي والغنائي في طفولة الأمم بقوة اكثر مما يظهر في عصر نضجها. لان شعراء الملاحم والغناء يستطيعون أن يسلموا أنفسهم إلى جرأة عبقريتهم، وبهذه الجرأة يسبقون القرون. أما شعراء الدراما، ومهمتهم كما نعلم تهذيب الجماهير وإشعال الحماسة في نفوسهم، فأنهم مرغمون على أن يلائموا عبقريتهم مع عادات العصر الذي يعيشون فيه. ولذلك نرى أن الجماعة التي تبلغ شأوا بعيدا في المدينة، لا يشغل المسرح من أدبها إلا مكانا ثانويا. فإذا اقتربت من نضجها، اخذ المسرح مكانه في

<<  <  ج:
ص:  >  >>