للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصف الأول من مدرسة الإدراك. وهذا ما حدث في فرنسا في القرن السابع عشر، وما حدث في بلاد الإغريق قبل أن يأتيهم سفوكليس وأوربيدس واريستوفان واسنحيلوس. فقد كان للفرنسيين جودل وبايف وهاردي قبل ان يكون لهم كورني وموليير وراسيين.

وإلى القارئ نبذة من خطبة راسين التي استقبل بها (توما كورني) لما صار عضوا في مجمع العلماء تلخص رأي هذا الشاعر في حالة المسرح الفرنسي قبل كورني ورأيه في كورني نفسه: (أي اضطراب وأي شذوذ يسود المسرح قبل كورني! كان الذوق مفقودا ومعرفة الجمال المسرحي مجهولة. وكان الجهل المعيب يجمع بين المؤلفين والنظارة. وكانت جل الموضوعات تحمل سمة الهوس، وعارية من الصدق. وكانت الألفاظ نفسها اكثر قبحا من الحوادث. وخلاصة القول، إن قواعد الفن حتى قواعد النزاهة والأدب كانت فريسة الفتك والعدوان، في هذه الطفولة أو على الأرجح وسط هذا العماء الذي كان يخيم على الشعر الدرامي في بلادنا، جاء كورني. وبعد أن جاهد وناضل الذوق الدميم مزوداً بسلاح العبقرية ومعتزاً بقراءة القدامى، أظهر على المسرح العقل تحف به أبهة اللغة وروعة البيان، فطغى صوته على صوت منافسيه فأخفاه. ولما يئسوا من بلوغ مكانته عمدوا إلى تسفيه كتبه، وحاولوا أن ينالوا بالنقد الطائش من جدارته، ولكنهم فشلوا وحاق بهم مكرهم السيئ. السيد وسنا وهو راس، ملأت الأسماع وهزت أوتار النفوس وترجمت إلى عدة لغات، ستظل حية على مر العصور في أفواه الناس، كورني فن وقوة وبراعة، وخصوبة ونبل وعظمة).

هذا كلام راسين الذي كان ينافس سلفه، وهو قول حق. وعند ظهور كورني، كان قد مضى على الناس ما يزيد على مائة عام وهم يعالجون التفكير ويتألفون الشعر والنثر دون أن ينجحوا النجاح المرجو. وعبثا نهبوا مؤلفات الأقدمين ومسخوها، وعبثاً سرقوا من لوكريس وفرجيل وهوراس وسنيكا أو من الإيطاليين والأسبان. وعبثا انتحل كتاب النثر لأنفسهم من سيسرون وبلوطارخوس. ثم جاء كورني وديكارت فحررا اللغة والفكر الفرنسي من ربقة الإغريق والرومان، فهما أول من أعطى للأدب الفرنسي صبغته الخاصة وطابعه القومي. فالسيد و (رسالة في المنهج) لديكارت يعينان عهدا جديداً في تاريخ الأدب والفكر الفرنسي. فقد كسرا أغلال اللغة وكانت أسيرة في أطلال اللاتينية، وأنقذا الفكر من محنته وكان يريد

<<  <  ج:
ص:  >  >>