كل فصيلة منها وما بينها من صلات، صراع اللغات، تفرع اللغة الواحدة إلى لهجات ولغات، تطور اللغة وارتقاؤها، أصوات اللغة، حياتها وتطورها، الدلالة وتطورها
وبعض هذه الفصول نشر في (الرسالة)، ولعل الذين اطلعوا على ما نشر ثار في نفوسهم ما ثار في نفسي من الشوق لأن يقرءوا المؤلف كاملاً متسلسلاً متناسقاً. فلقد كان كثير من الأفكار عن اللغة متقطعاً مشوشاً، حتى جاء هذا البحث فنظمه ورتبه وكساه الثوب العلمي، وصور اللغة كائناً حيا حياة حقيقية واضحة الملامح، تخضع لقوانين ثابتة، لا للمصادفات والأهواء.
وفي هذا الكتاب درست خصائص اللغة التي تدل عليها عنوانات الفصول، ودرست خصائص المؤلف في آن واحد!
فالوضوح والدقة والعناية بالشواهد والأمثلة ودراسة كل ما يتعلق بالموضوع وغربلته ومناقشة الآراء المختلفة والاستقلال في الرأي بعد هذه المناقشة، واستخدام كل شوارد المعلومات المتعلقة بالفكرة. . . كل هذه الخصائص تلمحها في الكتاب وتلمحها في صاحبه على السواء.
وقد طالعت بلذة وشغف الأمثلة التي أوردها المؤلف من دراسته لتطور اللغة عند (ابنته عفاف) وأعجبت بانتباهه وصبره على ملاحظتها فتلك بعض سمات العلماء، وأخشى أن يكون تطور اللغة عند هذه الطفلة متأثراً بمصاحبتها لأبيها أكثر من مصاحبتها لأمها، وإن يكون في هذا التطور شيء من البعد عن الطريق المألوف للأطفال الذين يتأثرون بأمهاتهم أكثر من آبائهم؛ فإن طريقة المرأة في الحديث وقاموسها اللفظي ونوع معاملتها وتدريبها لطفلها غير طريقة الرجل في هذا جميعه.
وشيء وددت لو خلا منه الكتاب، فقد عني الدكتور بإثبات المصطلحات الإفرنجية مرة بالحروف اللاتينية ومرة بالحروف العربية مع ذكر ترجمتها. وتلك دقة مشكورة، ولكنها تشوش ذهن القارئ العربي الذي لا يعرف لغة أجنبية، والذي يعرف على السواء. وكان يكفي كتابة المصطلحات بالحروف اللاتينية مع إثبات ترجمتها العربية فالقارئ العربي الذي يعرف لغة أجنبية لا يحتاج لكتابة الاصطلاح الإفرنجي بحروف عربية ولا ينتفع به والذي لا يعرف لغة لا تجديه صورة الاصطلاح بالحروف العربية شيئاً وحسبه ترجمة