للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القادرين، ووصايا القواد بالضعفاء والمرضى والشيوخ والأطفال والنساء والحرث والنسل:

إذا احتربت يوماً ففاضت دماؤها ... تذكرت القربى ففاضت دموعها!

أما الآن فإذا بطشوا بطشوا جبارين! لا يذكرون طفولة ولا شيخوخة ولا مخلفات الفنون والعلوم والآثار الثمينة التي هي ملك الإنسانية جميعها. . .

ومن كان يظن أن الإنسان الأوربي العالم الفنان الذي فتنته أحاسيس الحياة وجن بها جنونا فعبدها في الزهور والرياحين والحب والألحان والعناية بالطفولة، واقتنى التحف والمخلفات الأثرية من الجماجم والعظام والأحجار والخرزات، ولم يدخر في سبيلها مالاً، وجميع مجموعات النبات والحيوان، وحرص على استخراج كنوز الأرض، والتقى على صفاء في المجاميع العلمية والأدبية والملاعب الرياضية والمؤتمرات العالمية وتبادل تعلم اللغات، وسكن جميع بقاع الأرض، وعرف آلام الأجسام والأرواح، وأنفق الأموال الطائلة على نبش الأرض ليستخرج منها حلقة مفقودة تنير له تاريخ الإنسانية التي يعتز بها. . . من كان يظن أن من فعل كل أولئك يجرؤ على أن يهدم حاضر الإنسانية بكل ما حمل في طياته من الماضي، ولا يبالي أن يزهق الإنسان ومدنه وكل ما حمله عقله وقلبه!!

فأين عالم الدفاتر والمحابر والمنابر والمؤتمرات والمجامع والمعاهد والمعابد؟ أين عالم العقول والقلوب؟

أين الشعر والفن والرحمة والحب والجمال والخير؟

أين المعاني التي سجلها الدين والأدب عن الآلام، ودارت عليها فلسفات وقصص ومسرحيات؟

أين مؤسسات الرفق بالحيوان؟

أين كل (الدراما) و (الترجيديا) التي كانوا بها يبكون في المسارح؟

أكانت ملاهي وملاعب لا أكثر؟ يا لها إذا من خديعة عبقرية!

ولكن هذه هي الحرب العصرية. . . صورة مصغرة من أهوال القيامة. . . بل القيامة ساعة ثم تنقضي الحياة ويستريح الناس بالموت إلى حين. . . ولكن الحرب العصرية (قيامات) لا عدد لها. . . بها يموت الناس ويبعثون ثم يموتون ويبعثون كلما شنت عليهم غارة جوية إلى أن تضع الحرب أوزارها. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>