إحدى قريباتي. . . وقد رأيته يتاجر فساعدته، وساعده الحظ معي، حتى أثرى، فكشف ثراؤه عن نفسه، وتجسد أمامي حبه للمال، يستكثر ولا يستكفي ويبخل ولا يستمتع، والمال تجاهه سلسلة لا تنتهي حلقاتها، كلما جذب حلقة بانت له أطراف أخرى فجرى إليها. . . فكرت وقدرت، فإذا موضع المال من قلبه في الأعماق، وإذا موضعي من ذلك القلب على الشط: أحمل دلوي لأغرف له، كأن عقد الزواج من عقود المال، وكأني شريكته في متجره لا في بيته. غير أني شريكة لا تشارك في ربح ولا تطالب بأجر!! وكيف يراني أو يسمعني وقد طرفت الدنيا عينيه، وسدت أذنيه؟! وهكذا حفر في قلبي أسفاً! وتتالت الأيام على حفر ذلك الأسف، فكان غضباً! وبالغت الشهور في حفر ذلك الغضب، فكان كرها!. . .
هناك سمعت من حفيرة قلبي دقاته الجديدة، فخلت خفقاته وقع المعاول!. . . أنا لم أولد على دكان ربوي شحيح، ولم أنشأ في رحل بدوي غليظ، فقد كان أبى أدبياً طبعني على أدبه، حناناً أرقني بحنانه، فكيف أعيش في كنز أسمع رنينه ولا يسمع أنيني؟ طار قلبي عن بيتي، فلم أدر: كيف يقع؟ وأين يقع؟ ولكني أحسست صدري فارغاً، قد طلاه الآسي بسواد، يعلن الحداد! ثم رأيت - في من رأيت - فلاناً
فابتسم المنصور ابتسامة المعرفة، واستكملت قولها:
تعرفته فتبينت فيه العفافة، وتأملته فتأولت فيه المروءة، رأيته شاعر النفس واللسان، رقيق القلب والبيان، فأحسست أن قلبي قد هبط معه، فما قابلته حتى تحادثت حمرة في الوجهين ودف عرس في القلبين!
قال المنصور: حسبك! فإني أخاف عليك الغرق والإغراق
قالت: قد بلغنا الساحل! (وأشارت إليه)
قال: وأين واجب الزوج؟
قالت: قد عرفت الواجب فرعيته، وقدرت الأمانة فأديتها؛ وما أثقل الواجب والأمانة إذا وغلت فيهما الكراهة! وأمير المؤمنين يعلم أن الله قد شرع الزواج آلفة لا نفرة، وشرع الطلاق ضرورة يلجأ إليها المضطر لا المغتر؛ ولكن كثيراً من الناس تعاموا عن حكمة الله، فاتخذوا الزواج مواجهة وجهين، لا معاقدة قلبين! وارتكبوا الطلاق مطية غرور لا قضية