للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يتبينه فيها السمع؛ فحينئذ يكون عرضة للسقوط. وذلك أن معظم الصغار في هذا العصر لا يكادون يتبينونه في نطق الكبار؛ فينطقون بالكلمات مجردة منه.

وقد كان لهذا العامل، مع عوامل أخرى سيأتي ذكرها، أثر كبير في سقوط علامات الإعراب بالحركات من جميع اللهجات العامية المنشعبة عن العربية؛ على حين أن الإعراب بالحروف، لعدم تأثره بهذا العامل، قد بقيت آثاره في اللهجات العامية (أخوك، أبوك، المؤمنين، الطيبين. . . الخ)

٩ - موقع الصوت في الكلمة. وموقع الصوت في الكلمة يعرضه كذلك لكثير من صنوف التطور والانحراف

(ا) وأكثر ما يكون ذلك في الأصوات الواقعة في أواخر الكلمات سواء أكانت الأصوات أصوات مد أم أصواتاً ساكنة

أما أصوات المد، فقد لوحظ أن وقوعها في آخر الكلمة يجعلها في الغالب عرضة للسقوط، ويؤدي أحياناً إلى تحولها إلى أصوات أخرى. وقد كان لهذا العامل أثر كبير في سقوط أصوات المد القصيرة المسماة بالحركات (التي يرمز إليها في الرسم العربي بالفتحة والكسرة والضمة) التي تلحق أواخر الكلمات العربية. ففي جميع اللهجات العامية المنشعبة عن العربية (عاميات مصر والعراق والشام وفلسطين والحجاز واليمن والمغرب. . . الخ) قد انقرضت هذه الأصوات جميعها، سواء في ذلك ما كان منها علامة إعراب وما كان منها حركة بناء. فينطق الآن في هذه اللهجات بجميع الكلمات مسكنة الأواخر (فيقال مثلاً: (رجعْ عمرْ للمدرسة بعد ما خفْ من عياه) بدلاً من (رجع عمرُ إلى المدرسة بعد ما خفَّ من إعيائه). - ولعل هذا هو أكبر انقلاب حدث في اللغة العربية؛ فقد أتى جميع الكلمات فانتقصها من أطرافها، وجردها من العلامات الدالة على وظائفها في الجملة، وقلب قواعدها القديمة رأسا على عقب.

ومن هذا القبيل كذلك ما حدث في اللغة العربية بصدد أصوات المد الطويلة: (الألف والياء والواو) الواقعة في آخر الكلمات، فقد تضاءلت هذه الأصوات في عامية المصريين وغيرهم حتى كادت تنقرض تمام الانقراض، سواء في ذلك ما كان منها داخلاً في بنية الكلمة (رمى، يرمى. . . الخ وما كان خارجاً عنها (ضربوا، ناموا. . . الخ)، فيقال مثلاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>