٦ - أما قول الدكتور الفاضل بأن اليهود أثروا بدينهم وأدبهم أثراً لا يقل عن أثر الإغريق فلا يوافقه عليه أحد، على حين توافقني على نقيضه الكثرة الغالبة من العلماء والمؤرخين حتى من اليهود أنفسهم. وأقرر بأن اليهود تأثروا بالعرب في مصر وشمال أفريقيا وأسبانيا وغيرها، ونقلوا عنهم. وكان الفضل فيما وصلوا إليه راجعًا إلى علوم الإغريق التي أشتغل العرب بترجمتها
قال أبن ميمون (١١٨٥ - ١٢٠٤) في كتابه (مرشد الحائرين) أن ما أقتبسه اليهود من العلم والفلسفة كبصيص من النور وصل إليهم عن طريق العرب الذين استفادوا من حكمة الإغريق
أما ما كتبه العالم اليهودي الألماني (مونك) في كتابه (مزيج من الفلسفة العربية واليهودية)؛ فهو يؤيد فضل العرب على اليهود، كما يقرر بأنه لم يكن لبني إسرائيل فليسوف سوى ابن ميمون
ولا نحب في هذا المجال أن ننقص من فضل، (باروخ شبينوزا) الفيلسوف الهولاندي المتوفي سنة ١٦٧٧ المنسوب إلى اليهود، وأن كان التنويه بذكره لا يكسب بني جنسه شيئاً فيما نحن بصدده، لأنه كان مغضوباً عليه ومحروماً من دخول المعبد لإلحاده ولمذهبه في وحدة الوجود
هاتان شهادتان ليهوديين من كبار رجالهم لم يزعما قط أن أدب اليهود أو حكمتهم دنت من حكمة الإغريق أو أدبهم، ولم يدعيا أنه كان لأدب اليهود ودينهم أثر في تاريخ الحضارة لا يقل عن أثر الإغريق
أما ما أستند إليه الأستاذ وهو درس العلاقة بين اليهودية والمسيحية والإسلامية فهذا ما لا دخل له في موضوع الحضارة من حيث هي إنتاج إنساني قائم بذاته؛ إذ أن العقائد في جوهرها تمس الباطن، كما تمس الحضارة من حيث الحالة النفسية للمتعبد، ودرس الحالة النفسية من اختصاص علم النفس، وهو فرع من البحوث الإنسانية التي لا دخل لليهود فيها. وإن اتفاق الإسلام واليهودية في بعض التعاليم والآداب كالختان والصوم والطهارة من الجناية. . . الخ؛ فهذه أمور كان التشابه فيها لتشابه ولتسلسل الشعبين من الجنس السامي، مع اختلافهما الجوهري في العقلية والنظر إلى الحياة والمثل العليا، ولا إخال صديقي يرمي