للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس فيه إلا الفراغ المرعب، وهذه السهام المسددة التي تبعثها النجوم في نفسي

- ٥ -

أخذت أتقلب في أطراف السرير وألوذ بجوانبه، ولكن الحركة لم تكن لتنجو بي من هذا الذي أشقى به، وأطراف السرير وجوانبه قلقة حائرة. لقد نبا بي كل شئ: حتى هذا الغطاء الذي آلفه في الليل وفي طرفي النهار. . . إنه ليضطرب فوق جسمي كأنما أنا أرتعد، وما أدري سر هذه الرعدات الخانقة وما أعرف متى أخلص منها. . . إن القمر الدائر ليتراءى لي، وإني لأحاول أن أفزع إليه. . . ولكن المسكين لا يقوى على شئ. لقد أهزله الطواف حول الأرض مدى عشرين يوماً ونيفاً فلم يبق منه إلا الجسم الناحل والعظم المقوس، ولم يعد له ذلك البريق الذي كان يفيض منه، ولا ذاك لألق الذي ينساب من أطرافه، ولا تلك الأضواء التي كانت تغمر الأرض، وتنير حواشي السماء، وتطرد ظلمات النفوس. لقد أضحى كابي النظرات، خامد الحسن. متهاتف القوى، وأصبح جمرة هامدة بعد أن كان شعلة متقدة. إن طبقة من الرماد الأزرق تحاول أن تطغي عليه. لقد امتدت إليه فعملت فيه كما يعمل السل؛ ونفذت في طرف منه فتقبلها بضحكته الكاملة وبسمته المستديرة وغمرها بألقه الحنون، ولكنها كانت من طباع الناس: فبها لؤم وغدر، وفيها إثم وشر فلم تزعه، وإنما أخذت تنفث سمومها فيه، لقد بترت أوصاله، وإنها لتسرى الآن إلى أحشائه تلتهمها. لم يبق بينها وبين قلبه شيء. إنها لتكاد تلتهم هذا القلب الكبير الذي وسع الأرض وطاف حولها، لا تكبر شيخوخته، ولا تحترم مشيبه ولا تذكر إحسانه إليها. . . هاهي الماكرة تسرق قلبه وتأنى عليه. . . لقد أضحى القمر المسكين ذؤابة بيضاء منحنية لا تملك أن تتماسك، ولا تستطيع أن تشتد، وستلحق هذه الانحناءة النادية بالقلب الكبير: لتجدد معه في العالم الآخر عهود الصفاء والضياء والنور

- ٦ -

لقد نهضت أمشي. . . ولكني لا أملك أين أضع قدمي مخافة أن أنزلق به. . . إني لأحبو كالطفل، أتلمس الطريق بكل أطرافي وحواسي. لقد عدت طفلاً لا يعرف كيف يسير، فهو محتاج إلى من يمسك بيده ويأخذ بساعده ويمضي به، فهلا أخذت بساعدي - أيها ليل -

<<  <  ج:
ص:  >  >>