للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فماذا فعل الخلف من بعدهم؟

(ب) طريقة الخلف

لقد عكسوا طريقة السلف: ففصلوا ما كان مجملاً، وأجملوا ما كان مفصلاً، وضيقوا ما كان واسعاً، وظلموا أنفسهم بتجاوز حدودهم، وجنوا على شريعتهم بتفريطهم!

١ - جروا في العقائد على تفصيل أدخل على المسلمين الفرقة والانقسام، وفتح أمامهم أبواباً من الجدل المفضي إلى التشاحن والتدابر كانوا في غنى عنها وسلامة منها، وشوهوا أمام الناس علم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتجرأوا على الغيب يستطلعون خباياه ويستكشفون أسراره، وزحموا العقائد الصافية في زحمة الروايات الموضوعة، والأخبار الملفقة، والإسرائيليات المدسوسة!

وصفوا لنا عالم الأرواح، وما يدور فيه من أقوال وأفعال، وحدثونا عن حياة الأولياء في قبورهم، والشهداء عند ربهم، فذكروا أنها حياة حقيقية يأكلون فيها ويشربون؛ بل وتمتعون فيها ويتزاجون!

وصفوا لنا الملائكة وأصنافهم وأحوالهم وأجنحتهم ومقاييس أجسامهم، وما يقولونه في تسبيحهم حين غدوهم أو رواحهم، وما يكون من حوارهم بعضهم وبعض!

وصفوا لنا أرض المحشر وساحة الحساب، ومواقف الأولين منها والآخرين وحدثونا في تفصيل دقيق عن الصحف المنشورة والموازين المنصوبة، وعن الحوض ومياهه، وأكوابه وسقاته، وتدافع الناس من حوله، وازدحامهم بالمناكب عليه؛ كأنما كانوا شهوداً لكل ذلك إذ يفيضون فيه، أو كأنما أطلعهم الله على برنامج هذا اليوم المشهود فهم يقرأون منه على الناس كتاباً مفصلاً!

وحدثونا عن اللوح والقلم، والعرش والكرسي: أيها خلق قبل الآخر، وأيها يصدر إليه أمر الله أولاً، وكيف يكتب القلم وما عدد أسنانه، وما عدد ما سطر في اللوح من آيات الله وكلماته، ونسوا أن ذلك كله من عالم الغيب، وأنهم يتهجمون منه على ما احتفظ الله به، ويتعدون حدود بشريتهم، ودائرة عقولهم، ويركبون متن الشطط والغرور!

ثم صوروا للناس قضاء الله وقدره بصورة تدفعهم إلى التواكل، وتعلمهم الركود والإخلاد، وتوهمهم أنهم مكبلون من فوق هذا الكون بقيود أو أغلال لا سبيل إلى تحطيمها، ولا إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>