للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ضميرك فقد أسلمك إلى رقيب لا يعرف الغفلة ولا الهجود!

ثم امتطيت القطار إلى الإسكندرية وصدري معتكر بالمعاني التي ساورتني في الليل، وبعد الوصول بدقائق كنت أحاور الأدباء الإسكندريين، فهم سلوتي كلما حللت بمغاني ذلك الشاطئ الجميل

- ستطيل عندنا الثواء، يا دكتور؟

- خمس ليالٍ طوال!

- إذن فستمتع عينيك وأذنيك بقصف المدافع!

وفي صدر اليوم التالي كنت أؤدي واجباً بمدرسة الطائفة الإسرائيلية، وهي مدرسة لا تعطل في أيام الآحاد، أو هي المدرسة الإسرائيلية الوحيدة التي لا تعطل في الأحد الأول من كل شهر، وما يرضيني أن أقضي يوماً بلا عمل؛ وقد آذتني وزارة المعارف حين أسلمتني إلى ضميري

السنة الأولى الثانوية بهذه المدرسة مكانها في السطح. وعند الظهر صكت آذاننا المدافع بأصوات أعنف من قصف الرعد في لحظات الخوف والبأس

ومدير المدرسة يشير بأن ننزل إلى مكان أمين

وأقول: يجب أن نموت ونحن في الدرس

ثم يصلصل الجرَس مؤذناً بالانصراف فتضعف حجتي في العناد

وفي المساء يقع ما عرفه القراء في مطلع هذا الحديث

أما بعد فأين أنا مما كنت أريد؟

كنت أحب أن أتحدث عن الشاطئ الذي أوحشَ بعد إيناس

كنت أحب أن أدرس بعض الشؤون الأدبية أو الاجتماعية

كنت أشتهي أن أقول كلمة في (الإنسان) الذي رُفِعَ عنه بعض الحجاب فعرف من أسرار الوجود أشياء، ثم كان حاله حال الطفل الذي وُهِبَ مسدّساً محشواً بالرصاص فهو يصوبه إلى صدور الآمنين كيف شاء عقله الوليد! وإني لأخشى أن ينتقم الله من (الإنسان) فيسلبه القدرة على (استغلال) ما عرف من أسرار الوجود!

انتصف الليل أو كاد، وسكتت المدافع منذ لحظات، فهل هدأ البلبال الذي يساورني كلما

<<  <  ج:
ص:  >  >>