للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لم أستطع التخلص من أوزار القلب، ولن أستطيع التخلص من اثقال العقل، فما عيشي في صحبة هذين العدوين؟ وما قيمة وجودي وأنا محروم من نعمة الاستقلال؟

وهل أنسى بلائي بعدوان القلب والعقل وقد عانيت منهما في الليلة الماضية ما عانيت؟

وما الليلة الماضية؟ هي ليلة من ليال، فما رحمتني الأقدار من معاناة الصراع بين القلب والعقل منذ اليوم الذي عرفت فيه أن العيون لا يكون لها سحر حرام أو حلال إلا في نور القمر أو ظلال الرياض

إن واجهت العيون ضياء الشمس فعلى سحرها العفاء، لأن الشمس تحيل العيون إلى جوارح تعجز عن الحقل والفتك. وهل تصنع الغلالة المنسوجة من نور القمر أو ظل الروض حين تواجه الطرف الكحيل إلا كما تصنع الغلالة المنسوجة من الحرير حين تطوق الجسم اللطيف؟

الحرير يزيد الأجسام النورانية صفاء إلى صفاء، وهي تتخايل من تحته كما تخايل الكواكب من فوق السحاب الرقيق

وأنا لم أصاول سهام العيون ألا في نور القمر أو ظلال الرياض، فأين كنت في الليلة الماضية وقد كان (برج بابل) بعض ما تشقى يحمله ضلوعي؟

كنت في ضيافة قمرين: قمر الروض وقمر السماء، ويا ويل من يعيش في مصر الجديدة وهو يعاني مكاره الصراع بين القلب والعقل!

وفي لحظات أقصر من عمر الطيف تحولت دنيانا من صفاء إلى كدر ومن كدر إلى صفاء؛ ثم انتهينا إلى قطيعة قد تقصر وقد تطول، فما استطاع الدهر ولن يستطيع أن يفرق بيننا أكثر من أيام أو أسابيع

سمعت صوت العقل فأقسمت لأهجرن ذلك البدر إلى آخر الزمان وما هي إلا لحظة حتى تحركت الحيات والثعابين في برج بابل

فأصخت إلى ما تجود به أفواهها الفيح من فحيح، فكنت والله كمن يسمع نشيداً ترتله ملائكة السماء

أنا مشدودٌ مشدود إلى قطار الوجود، فأين من يرحمني من مصارعة العيون في نور القمر أو ضياء الرياض؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>