للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القمر في ليلتي الحاضرة جميل جميل، ولكن ما قيمة جماله وأنا مصدود عن الاستصباح بنوره الوهاج؟

وما طيب النوم الأحلام لمن حرموا طيب نجواي؟

ألم أقل لهم: إن الذي ينام بمصر في المقمرات من ليالي الصيف ليس إلا قطعة ثلوج الشمال نقلت ظلماً إلى هذه البلاد؟

النوم ضرب من الموت، وهو الموت الأعظم لمن يجهل فضل الليالي المقمرة بمصر في أوقات الصيف

لو كنا معاً في هذه اللحظة لعرف البدر أن السعادة ليست مقصورة على أهل السماء؟ إن صح أن أهل السماء سعداء، وكيف يسعدون وما عرفوا ظلم العواطف ولا طغيان الأحباب، وإلا فكيف استطاع القمر أن يحتفظ بصباه على مر الدهور وكأنه فلان في البلادة والغباء؟

وسيصنع الدهر ما يصنع بالغصن الذي آذته نسائم الحب، وأن عاش وعشنا فسنقيم المناحات في حضرته العالية على الظل الذي زال عند (الزوال)

القطيعة باقية، ولن نسأل عن تلك السرحة ألا يوم تمسى وهي مهددة بأرواح الخريف، فلتصنع بمصيرها ما تشاء، فلن تكون أكرم على الدهر من تخلى حلوان في أشعار القدماء

ومن يرعى تلك النخلة وقد تخلى عنها الحارس الأمين؟

ترعاها الفواقر والقوارع والخطوب!

يرعاها الجهل بالسر المكنون في ضمائر الشعراء!

وإن استطال الجمال على الشاعر فبشره بالمحاق والأفول لغير وجهك الجميل يوجه هذا النذير، يا صاحبة الجيد الأغيد والمعصم الريان

وما الدنيا وما الوجود إذا أمسى جمالك الفتان وهو طل من الأطلال؟

سيصنع بك الدهر ما يصنع، لأنه موكل بإذلال الأقوياء، ولكنه سيعجز عن محو ما دار بيننا من أكواب العتاب في تلك الليلة القمراء

هي ليلة من ليال، وسأعرف كيف أنتقم لنفسي، إن طاب لك الاعتصام بالهجر والصدود

أما بعد فقد رجعت إلى قلبي لأشهد بعض العجائب من برج بابل، فماذا رأيت؟

رأيت وجودي مقدوداً من أحجار ذلك البرج، ورأيت عواطفي وأحلامي مشبوبة أو مقبوسة

<<  <  ج:
ص:  >  >>