فشهرزاد إلى كونها مثل غيرها من بنات حواء تخضع لمطالب المرأة الجسدية. فأنها ابنة وزير، كريمة المحتد، كما يدل اسمها نفسه في الفارسية، وقد شاء لها طيب أرومتها أن تتقدم طواعية ليتزوج منها الملك الغشوم قاتل زوجاته، وان تجعل مختارة جيدها الغض عرضة لسيف جلاده، مفادية بحياتها على ضعف الأمل إنقاذا للعذارى من هذا الحيف الراصد لهن. ثم هي لا محالة بطبيعة التربية في القصور ذات ثقافة عالية، وحذق لفنون الأدب والشعر، وعلم بالتواريخ ومضارب الأمثال والعبر. فليس هنالك تجوز معتسف في تصويرها جامعة للجسد المنعم النضير والقلب الفياض بالشعور والفكر الواعي المحكم بالتدبير.
ولقد احتاط المؤلف لرموزه هذه من ان تظهر مجرد رموز متحركة تشخص لما وضعت له في خطى آلية وعزيمة صماء حديدية:
فأضفى عليه مخايل الأحياء من تردد وتشكك، ونوبات ضعف وانتكاس، لما هو مركب في الطبيعة البشرية من العوامل المتضاربة، والدواعي المتداخلة، بحيث إذا صحت الغلبة لإحداها فأن المغلوبة لا تنعدم، بل لها في النفس بين الفنية والفنية تخبط المقيد، وانتفاض المضغوط عليه. فترى الوزير وان كان في حبه للملكة شهرزاد عذريا طاهرا يحفظ لصديقه الملك غيبته، ويرعى حرمته، ويذكر مودته، فانه ليضطرب اشد الاضطراب عند خلوتها به، كما يسوؤه أن تعطف على صديقه وزوجها ايسر العطف ويتجرع المرارة من غيرته الخفية. كذلك ترى شهريار وقد باشرت الحسيات حواسه حتى مل جوارها، وتشبعت بالعواطف مشاعره حتى لفظها ومجها، وتعالى عن كل ما هو حس وشعور يعود في فترة يأس من المعرفة إلى شهرزاد، يسكر عطشه من كأس ثغرها اللؤلؤي، ويستظل من رمضائه بعناقيد غدائرها المتهدلة، ويوسد رأسه المتصدع حجرها، ويريدها على ان تنشده شعراً، أو أغنية، أو تقص عليه قصة.
وما تبدلت الرموز غيرها من اجل هذا، وإنما هي عوارض من إمارات الضعف البشري، ثم تستأنف هذه الرموز البشرية سيرتها المرسومة، ودرتها المقدورة في افتنان وروعة.
ولقد اختار مؤلفنا للقصة بداية اصلح منها مدخلا للراوية من حيث تهيئة الجو والدلالة على