الأغنياء يخافون من معاملة الفقراء لأسباب لا يجوز النص عليها بغير التلميح، فمتى نرجع لمحاسبة أنفسنا بصدق وإخلاص؟
أنا أرجع إلى نفسي من وقت إلى وقت، لأرى كيف تقدَّم زملائي وتخلَّفت، فأرى أني المسؤول الأول والأخير، لأن في شمائلي جفوة تجعل التهور من صور الشجاعة الأدبية، مع أن بين الشراسة والشجاعة أبعاداً يعجز عن طيِّها البرق اللماح.
وأنا أنصح قرائي بما لا أنصح به نفسي، لأني أومن بأن للكاتب شخصيتين مختلفتين بعض الاختلاف: شخصية من يمثل عقله، وشخصية من يمثل هواه؛ فأنا أخاطب قرائي بعقلي، وأخاطب نفسي بهواي، إلى أن يلطف الله فلا أصدُر في جميع أحكامي إلا عن وحي العقل.
ثم أما بعد فأنا أدعو إلى بناء المجتمع المصري من جديد.
أدعو إلى خلق الجاذبية بين الأغنياء والفقراء، ليشعر الغني بأن الفقير هو الذي حمل على كاهله أحجار القصور الشوامخ، وهو الذي عانى عرق الجبين في استنبات البقول، وليشعر الفقير بأن الغني هو الذي دبر المال لتصير مصر إلى ما صارت إليه من وفرة المصانع والمتاجر والمزارع والخيرات.
أدعو الغني إلى التألم لألم الفقير والتوجع لبلواه؛ وأدعو الفقير إلى الدعاء للغني في أعقاب الصلوات.
أدعو أولئك وهؤلاء إلى التعاون الصادق بأمانة وعطف، ونزاهة وصدق.
وأكره أن يتدخل الكتاب المراءون في إفساد ما بين الأغنياء والفقراء.
أكره أن يحاول كاتب منافق أن يتسم بوسم المصلح الاجتماعي وهو مأجور للشيطان الرجيم، وإن خدع نفسه فتخيل ثم خال أنه رسول الاشتراكية في هذه البلاد.
لقد شبعت مصر من الكتاب المرائين في الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فمتى تعلن مصر شوقها المتوقد إلى كتاب لا ينافقون ولا يخادعون؟
إن صراحتي في الكلام عن الفقراء والأغنياء صنعت ما صنعت في تبصيري بدقائق من أحوال الناس وخلائق لمجتمع، وأشنعُ ما دلتني عليه هو أن في مصر كتاباً كسالى، وهم الذين يرون ما أرى، ثم يصدهم الكسل عن الاصطلاء بما اكتوت به يداي، وفيهم الباحث