والانطلاق، وحريتنا هذه تعتمد على ما تسنى لنا المرتفعات والجبال في الأرض، أو قوتنا في القفز العالي، أو آلات الطيران كالمناطيد مثلاً).
ويقاطعه الطبيب أيضاً:(إذا كنا كما تقول محصورون حقيقة ضمن نطاق المكان فلا شك أن سجننا في الزمان أضيق حدوداً وأكثر قيوداً، فأنت لا تستطيع بأي جهد مهما كان عظيماً أن تتخلص من اللحظة الحاضرة).
ويجيب صاحب الاختراع مسرعاً: لا. هذا هو الخطأ بعينه؛ وهو خطأ درجت عليه الإنسانية من قديم الأزمان منذ عرفت معنى الأبعاد. فنحن نستطيع أن نفك قيود الزمان، أو وجودنا العقلي الذي لا يتأثر بالأبعاد المكانية يتحرك في البعد الزماني بسرعة متناسقة من المهد إلى اللحد كما يسقط في البعد الثالث جسم على بعد عدة أميال من الأرض. ثم نحن نستطيع أن نستعيد من الذكريات ما نشاء فنسترجع الماضي ونتحرك في الزمان. وإذا كانت الآلات الطائرة قد سهلت مهمة الانطلاق في البعد الثالث فلماذا لا يتسنى هذا في البعد الرابع؟ أرجو ألا تعجبوا كثيراً أو تستهجنوا أن تكون هذه الفكرة الأخيرة قد شغلت دماغي مدة طويلة. إن هدفاً غامضاً كان يسير أبحاثي ويتجه بها نحو وضع تصميم آلة تتحرك في الوقت.
وبالرغم من رجاء صاحبنا يقاطعه صحبه بعلامات التعجب والدهشة والاستنكار والسخرية، ولكنه لا يلبث أن يخفف من حدتهم عندما يخبرهم بكل ثقة واطمئنان أن أبحاثه قد أثمرت، وأن جهود عامين متتاليين قد وصلت بالآلة إلى درجة الكمال. وليتحققوا من ذلك بأنفسهم يصمم أن يجرب التجربة الأولى تحت سمعهم وبصرهم.
ويذهب إلى مختبره ليعود بعد دقائق معدودة يحمل في يده آلة صغيرة دقيقة الصنع تشبه ساعة الجيب كثيراً، ويضعها على المنضدة أمامه، ثم يشير إلى زرين إذا ضغط أحدهما تندفع الآلة في الزمن، وإذا ضغط الثاني انعكست الحركة. ويطلب من أحدهم - وهو عالم نفساني - أن يضغط الزر بنفسه. ولا تستطيع أن تتصور مقدار العجب الذي تملكهم عندما حامت الآلة قليلاً كنسمة عاصفة فوق رؤوسهم، ثم اختفت ولم تترك خلفها أثراً.
لم يكن للآلة من سبيل لأن تغادر الغرفة، وهي لم تبق فيها، فلا شك إذاً أنها سافرت عن طريق البعد الرابع، وهو بعد عمودي على المتعامدات الثلاثة المألوفة، ولابد أن يكون