وجاءت رواية أخرى:(والله لولا أنت ما اهتدينا) في مسلم (شرح النووي) ج ١٢ ص ١٧٠ و١٧١، وقال النووي في ذكر الرواية الأولى ج ١٢ ص ١٦٦ ما نصه:(كذا الرواية) قالوا: وصوابه في الوزن (لا هم)، أو (تا لله)، أو (والله لولا أنت) كما في الحديث الآخر: (فوالله لولا الله. . .).
ورواية الأخير:(إن الألي قد بغوا علينا) هي الواردة في الأصل أيضاً، وفي البخاري في مواضع، وفي مسلم ج ١٢ ص ١٧١، وفي أكثر كتب السيرة والتاريخ والحديث. وجاء في مسلم ج ١٢ ص ١٧٠:(والمشركون قد بغوا علينا)، وفي ص ١٧١ منه ما نصه:(وربما قال (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم): إن الملا قد بَغَوْا علينا)، وهي في اختلال الوزن كالرواية الأولى التي أثبتناها. ومثلها في ذلك أيضاً رواية من روى:(إن الأعادي بغوا علينا).
وقد نص شراح كتب السير، وشراح البخاري، على أن هذا الرجز ليس يَتَّزن (أنظر العينى ج ١٤ ص ١٣٢، وابن حجر ج ٧ ص ٣٠٨)، ولم يصححوه أو يبدلوه إلى ما يتزنُ، مما جاء في الروايات الأُخر، كالذي ذكر الأستاذ (إن الألي قد بغوا علينا)، وهي رواية ابن سعد ج ٢ ص ٥١.
فإذا كان أصحاب العلم والدراية والبصر بالرواية لم يفعلوا ما أرادني الأستاذ على أن أفعله - من حيث أني عَرُوضي كما يقول! - فلي العذر تابعاً لهم، مقتدياً بهم، حريصاً على ألا أبدِّل أو أحرف ما اتفق عليه الأصل الذي أطبع عنه، والروايات المتعددة التي جاءت في أصح الكتب إسناداً أو رواية وتحريراً بعد كتاب الله.
هذا، والكلام عن مثل هذا الرَّجَز - وما يقع في بعض أوزانه من الاختلال والاضطراب - يفضي إلى القول في المواضع التي كان يُنشَدُ فيها، وكيف يكون إنشادُه؟ ولِمَ يُتجاوز فيه عن الوزن؟ ولو نظر الأستاذ الشاعر إلى صلة هذا الرَّجَز بما كان من الصحابة في حفر الخندق، وحملهم التراب في المكاتل، وسيرهم مصعِّدين ومصوِّبين. متوافقين في الإنشاد يمدُّون به أصواتهم مختلطة مرتفعةً، لعَلِم عِلْمَ ذلك، ولكفانا مؤونة الجري وراء العروض، أهو يتزن أو لا يتزن؟ حتى يبلغ بنا ذلك إلى تبديل الروايات وتحريفها، وقد جاءت عمن كان أعلم منا بالشعر والعروض.